/ صفحه 22/
وقد خامر اليأس نفوس كثير من أعلام الشرق في مجاراة القوم، فإن الغربيين يتحدثون الآن بغزو الأفلاك، ويعدون عدتهم للرحلة إلى الأقمار والكواكب السيارة.
ومن رأينا أنه لا محل لهذا اليأس مهما أعصوصبت الأمور، فإن لنا - معشر الشرقيين - حضارة جامعة من حقنا أن نعتز بها في كل حين.
لقد قطع الغربيون أشواطا بعيدة في مضمار المادية، وظهر تفوقهم على الشرق منذ أوائل القرن الماضي إلى اليوم، وهو تفوق مادي خارق، ترك كثيرا من الشرقيين مشدوهين، وقد تظهر لنا هذه الحضارة الحديثة بأنها قادرة على قهر الشرق. ومحو كل مقاومة تقف في طريقها أو تقوم فيه، ولكن هذا التفوق المادي نفسه هو الذي جر الغربيين أو ساقهم إلى الضعف والانحلال، وجعل الحضارة الغربية مهددة بالزوال. كما رأينا ذلك في الفترة الواقعة بني الحربين الكونيتين الأولى والثانية، ذلك بأن النواحي الروحية والخلقية لم يكن لها حظ فيه، فطغت المادية على كل شيء، وسيطرت المطامع من ناحية، والشهوات من ناحية، حتى بدت آثار ذلك واضحة في كثير من الشعوب الغربية.
وليس هذا فحسب، بل نحن نرى الآن كثيرا من أمم الشرق تتحفز، وتريد جهدها أن تستفيد من هذه العبر البالغة، وتتجه بشئونها العامة إلى الإصلاح، وتأخذ بالأساليب الحديثة في تركيز حياتها على أسس سليمة قوية تجعلها في مصاف الأمم العظيمة.
إن مصير هذه الحضارة الغربية المادية البحتة معلق في كفة القدر الآن، وهو مصير يقلق بال كثير من المفكرين، وقادة الرأي في العالم الغربي، ولذلك يبدو لنا أحيانا أنهم معنيون بالاهتداء إلى مخرج ما، ينجو بهم وبحضارتهم من الدمار، ويرى بعضهم أن في اتحاد دول الغرب، وفي إبرام ما يبرمونه من عهود ومواثيق سياسية واقتصادية مخرجا من هذا الخطر، ولكن يتراءى لنا أن الاتفاق