/ صفحه 211/
الآداب والتقاليد، ولعل ما جاء في كتاب "تذكرة السامع والمتكلم، في أدب العالم والمتعلم" للقاضى الأديب المصرى البارع بدر الدين بن جماعة المتوفى عام 733 هـ وكتاب "المدخل" لابن الحاج نزيل القاهرة والمتوفى بها عام 737 هـ، ماينوه بها أو ببعض ما كان متبعا منها.
من هذا وذاك نشعر بجلال الحركة التعليمية في تلك العصور، وبأنها كانت أنبل مستوى في بعضى مظاهرها ومعانيها ومراميها، مما سمونا إليه نحن الآن.
ولعل من المناسب هنا أن نشير إلى أن لبلاد المصرية حينذاك رحبت عن كريم نفس، واطمئنان ضمير بالوا فدين إليها من الغرباء شيوخا وطلابا معا، فقد كانت هى المنابة الآمنة بين العالم الإسلامى القلق المضطرب شرقا وغربا. فوطأت لهم في كنفها، وأفسحت في رحابها، فوجدوا فيها الدعة والطمأنينة، والراحة والسكينة، ولقوا المراح البر، والمرتزق الثر، والحظوة الطيبة لدى السلاطين والأمرء، والعلية والعامة.
وكانت مصر تصدرفى سياستها تلك عن روح دينية عالية، وأخوة إسلامية سامية، فهمت حقيقة الدين، وما يدعو إليه من إيثار ومودة وتاون حتى يصبح المسلمون قاطبة بنعمه الله إخوانا، وقوة ويداً على من عاداهم، وفى ذلك ما في من العزة.
وأعتقد أن من محاسن التعليم في العصر الحديث، صدور مصر في سياسته عن تلك الروح القديمة، وذلك المبدأ القويم الذي اعتنقته فيما سلف، فلقد أصبح الطالب الشرقى يجد من معونة الدولة وتيسيرها له سبيل التعليم ما لا يجده الطالب المصرى أحيانا، إلى هذا الحد بلغ بها الإيثار والود، وإنها لسعادة كبير أن توفق الجارات الشرقية إلى فهم هذه الروح فهما دقيقا، حتى تقدر ما تنشده مصر من أخوة عامة حق قدره، وتعمل على توطيد هذه الأخوة.
وبعد، فلعل هذه العجالة تلقى ضوءا ـ ولو يسيرا ـ على الحركة التعليمية في مصر، إبان عصورها الوسطى التي يسمونها "المظلمة" يقنعنا بأن نعدل عن اتهامها بل بأن نعرف لها فضلها، ونترفق في الحديث عنها، ونحن بصدد العلاج لمشكلة التعليم؟