/ صفحه 210/
درّس بالمدرسة الظاهرية وابن الملقن ـ درّس بالبقرية والسابقية ـ وقوام الدين الاتقاني، درسّ بالصر غتمشية ـ وابن حجر المسقلانى بالمؤيدية ـ وابن خلدون بالأزهر. وغير هم كثيرون، وما من مدرس من هؤلاء إلا وهو ضليع في علمه. وكان من بين هؤلاء الشيوخ من بلغ منصب القضاء الأكبر، غير انهم كانوا يتأبون على المناصب والقضاء، خشية الفتنة أو الزلل، بينما هم يتزاحمون على التعدى للتعليم، وهم يعتقدون أنه أفضل قربة يتقربون بها إلى الله، وأنه فرض عليهم للعلم يجب أداؤه.
وكانت دروسصهم جدلا أو إملاء، غير أن الجدل كان أوسع نطاقا، وأبعد آفاقا، فولد في كثير من الطلاب روح النقد، وحسن الموازتة وسلامة الاستدراك، والاقتدار على المناظرة.
وكان على الطالب ـ قبل أن ينقطع لطلب العلم بهذه المدارس ـ أن يمر بمكتب من المكاتب يحفظ فيه القرآن، ويتعلم الكتابة والقراءة. ثم يأخذ نفسه بحفظ عدد من كتب العلوم الختلفة التي ينوى دراستها، ليكون حفظه سندا له، وقوة على استحضار نصوصها، ومناقشتها، وفهمها، ونقدها، والاستدراك عليها ـ وكان عليه بعد حفظها أن يسمعها لبعض شيوخه، ليتثبت من حفظها، وكان هذا بمثابة اختبارله ـ على أن بعض الشيوخ كان يختبر طلابه، إذا زايلوا مكاتبهم، ليندمجوا في حلقته، فقد روى السبيكى في طبقاته عن الحافظ شمس الدين الذهبى "أنه عند ما قدم إلى القاهرة، ودخل إلى شيخ الإسلام تقى الدين بن دقيق العيد ـ وكان المذكور شدير التحرى في الاسماع ـ قال له: من أين جئت؟ قال: من الشام، قال: بم تعرف؟ قال: بالذهبي. قال: من أبو طاهر الذهبي؟ فقال له: المخلص. فقال: أحسنت. فقال: من أبو محمد الهلال؟ قال: سفيان بن عيينة. قال: أحسنت، اقرأ، ومكنه من القراءة عليه حينئذ، إذ رآه عارفاً بالأسماء".
وكانت لهذه المدارس وامكاتب جميعا آداب تُراعى، وتقاليد تتبع، كلها ترمى إلى تقديس العلم واحترام المعلم ورعايه المتعلم، ويضيق المقام هنا، لو ذهبنا نعدد هذه