/ صفحه 209/
لهذا تعدد المشايخ للطالب الواحمد حتى ليبلغ عددهم أحيانا العشرات بل المئات، وعنى بعضهم بإخراج معجم لشيوخه، يترجم فيه لكل منهم، وينوه بمقدار علمه وفضله وما أفاد منه. وفى هذا ما فيه من معانى تقدير الطالب لأستاذه ووفائه له، وهويدلنا ضمنا على مبلغ ما كان بين الطالب وشيوخه من محبة وثقة وملابسة ‌طوية، وكل هذا يصور لنا الجو التعليمى الذي كانوا يعيشون فيه.
وحرص الطالب كذلك على استجازة شيوخهم في الحديث وغيره، حتى في علوم اللغة والأدب، فاجازوهم وكتب بعضهم إجازاتهم أدبى بديع طريف، فكانت هذه الاجازات بمثبة الشهادت الجامعية الحديثة. ولعلها تشبه أرقى أنواع هذه الشهادت.
وامتد حرص الطلبة على الأخذ عن الشيوخ أخذا معنعنا واصلاً بسنده إليهم حتى في الخط. ومن الطريف ما ذكر شمس الدين السخاوى في كتابه "الضوء الامع" في ترجمة ابن الصائغ، فقد قال ما ملخصه: "إن ابن الصائغ تعلم الخط المنسوب من النور الوسيمى تلميذ غازى ولازمه حتى أتقن قلم النسخ وفاق عليه، وأحب طريقة ابن العفيف فسلكها وتعلمها من أبى على محمخ الزفتاوى المصرى ثم صارت له طريقه منزعة من طريقتى غازى وابن العفيف، وابن العفيف أخذ الخط عن أبيه، عن الولى العجمي، عن شهدة الكاتبة، عن ابن أسد، عن علي بن البواب، وابن اسمسماني، عن مشايخها عن ابن مقلة…" وهذا التسلسل في الأخذ، هو مايسمونه بالخط المنسوب.
ولم تمنح الاجازات جزافا واعتباطا، بل بعد طول اختبار للطالب ودقة معرفة به، وبمحصوله من العلم.
وكان أمر التدريس يوكل إلى حذاق المعلمين، ومهرة الشيوخ ممن ذاع فضلهم، واكتمل علمهم. ونذكر على سبيل المثال: تقى الدين بن دقيق العيد، فقد درس في المدرسة الصلاحيه والكاملية المعروفة بدار الحديث. وابن رزين،