/ صفحه 208/
الاربعة والحديث واللغة والادب والوعظ، وقال المقريزى عنه إنه في سنة 818 هـ بلغ عدد المنقطعين فيه لطلب العلم نحو 750 رجلا من مختلف بلاد المسلمين. وقال: "فلا يزال هذا الجامع عامرا بتلاوة القرآن ودراسته وتلقينه والاشتغال بأنواع الفقه والحديث والتفسير والنحو، ومجالس الوعظ وحلق الذكر".
ويطول بنا المقام لو ذهبنا نستقصى أخبار هذه المدارس وجهودها في سبيل نشر العلم، وقد سعدت البلاد في العصر المملوكي، بجملة مؤلفات ثمينة في تاريخ الاعلام ورجال الطبقفات، ومن حسن الحظ أننا نستطيع أن نستخلص منها أخبارا قيمة عن حالة التعليم ومواد الدراسة ورجال التعليم، ـ ويفهم منها أن هذه المدارس كانت بمثابة الجامعات ـ وإذا غضضنا النطر عن الشكليات الحديثة، وجدنا فيها كل المعانى الجامعية، وفقد كان في كل مدرسة ـ على وجه الاجمال ـ عدد من الشيوخ، كل شيخ منهم أستارذ مادة من المواد المقررة، وقد يعينه في عمله بعض المعيدين، ودرسه مباح للطالب المنقطع لطلب العلم ومباح لغيره.
واعتاد كثير من الطلاب أن يلازموا شيوخهم. فيلازم الطالب شيخا من شيوخه يقع كل منهما من نفس الآخر موقع القبول، يلازمه في كل دروسه، حتى في دروسه المنزلية، فيتردد على بيته من آن لأن، وقد لازم شمس الدين السخاوى شيخه شهاب الدين بن حجر العسقلاني، وأخذ عنه كثيرا من علمه، وأجيز منه برواية مصنفاته، وكان ابن حجر يرسل إلى تلميده هذا ليفد إليه في داره أذا كان قد تهيأ لإلقاء درسه على طلابه.
وكان بعض الطلبة يطوفون على كثيرين من الشيوخ، حسب اختيارهم، فيلتمسونهم في دروسهم ولو تباعدت أماكن هذه الدروس. وروى أن محيى الدين النووى ـ رأس الشافعية في زمانه ـ كان وهو طالب يتلفى اثنى عشر درسا في اليوم والليلة، ورواه الذهبى في تذكرة حفاظه.
واشتد حرص الطلبة على الرحلة في طلب الحديث الشريف، قطافوا لأجله بالمدن المصرية على حفاظه وروائه، ورحلوا إلى البلاد الشامية والحجازية وغيرها