/ صفحه 207/
ولا نبالغ إذا قلنا إنهم كانوا في ذلك أكثر منا معرفة بواجبات الدولة إزاء ناشئتها وإزاء العلم.
وقد كانت دور التعلمى مفتمحة لكل راغب فيه، فلم يصدواعنها طالبا، كما كان يصد الطلاب في العصر الحديث. ولم يبتدعوا لذلك التعلات المختلفة كما كان يحدث.
وحقا إنهم قصروا التعليم العسكرى على طبقات المماليك، التي كان مددها يتجدد من خارج البلاد. ولكن لم تكن لهم مندوحة عن ذلك، لأن منطق العصر كان يدعو هم إلى انتهاج هذا النهج، ليظلوا في البلاد هم الطبقة الحاكمة، لهم كيانهم الأصيل الذي بدءوا به، وكان من أهم مقوماتهم، وهو المنحدر الذي انحدروا منه، يما فيه من رق وعتق، ولو أنهم اتجهوا إلى الشعب فاتخذوا منه جنودهم وعددهم من أول الأمر، لتمصروا ولتغير وضعهم، وزالت عنهم هذا الصفة التقليدية، وأصبحوا ملوكا آخرين.
ومهما يكن من أمر، فقد أسسوا كثيرا من المدارس، وانتشر التعليم في عهدهم في كثير من مدن مصر، كالقاهرة والاسكندرية ودمياط وقوص وأسيوط وأبو تيج وأخميم وسوهاج وغيرها، وقد أحصى ابن دقمان في كتابه "الانتصار" من هذده المدارس والجوامع والخوانق والرابط والزوايا نحو خمس ومائة، وذكر المقريزى في خططه تواريخ كثير من هذه المدارس وأخبارها، وما كان يدرس بها من العلوم، وتقلب الاحوال بها، وأبناء من اتصلوا بها من مؤسسين أو مدرسين أو نحوهم، وقد توفى ابن دقماق عام 808 هـ، والمقريزى عام 845 هـ، ومن ذلك إلى نهايه العصر المملوكي، اسست مدارس غير ما ذكراه منها مدرسة قايتباى ومدرسة الغوري.
ويفهم من أخبار تلك المدارس أن العلوم الدينية كانت لها الاسبقية في العناية وبعدها علوم اللغة ثم العلوم الاخرى. وذكروا أن المواد الدراسية في الجامع الطولونى كانت التفسير والحديث والفقه على المذهب الاربعة والقراءات والطب والميقات. وأن الجامع الازهر كان أهم ما يدرس به، علوم الدين والمذاهب