/ صفحه 206/
وقد أسس في القاهرة عداد من المدارس لنشر التعليم الديني، ودراسة المذاهب الأربعة، منها: المدرسة الصلاحية بجوار قبة الشافعي، ونصب فيها عددا من المدرسين والمصدرين، والمدرسة القمحية بجوار جامع عمر بن العاص، وكانت مخصصة لفقهاء المالكية، والمدرسة السيوفية بجوار سوق السيوفيين، وكانت مخصصة للأحناف، وغير ذلك.
واقتدى بصلاح الدين وزيره القاضى الفاضل عبد الرحيم البيساني. فأنشأ المدرسة الفاضلية للقراءات وفقه الشافعية والمالكية، وآقتد به أيضاً ملوك دولته من بعد مثل الملك العادل فقد أنشأ مدرسة عرفت بمدرسة ابن شاس، نسبة إلى القاضى تقى الدين بنه شاس أحد مدرسيها، وكانت للمالكية، ومثل الملك الصالح نجم الدين أيوب فقد أنشأ مدرسة الصالحية، بين القصرين، وكانت تتكون من أربع مدارس لكل مذهب مدرسة، وقيل إنها أول مدرسة أنشئت على هذا النمط.
وقد اتبع سلاطين الدولة المملوكية هذه السياسة في نشر العلم. فكانوا يقيمون المدارس ويحتفلون بإفتتاحها، ويزودونها بالمكتبات النافعة الزاخرة بصنوف الكتب ونفائسها، ويقفون عليها الأوقاف، ويحسنون في اختيار شيوخها، وييسرون سبيل التعليم بها للطلبة المنقطعين فيها لطلب العلم. ويجرون على هؤلاء وهؤلاء الأجور والمنح، ولا يفتأون يتوددون إليهم زلفى وتفربا إلى الله، أو حبا للظهور.
وطبعى أن تكون العلوم الدينية صاحبة الخطوة الموفورة بين مواد الدراسة فانه حتى التصوف أنشئو له الخوانق، وهيئواله الربط والزوايا. ولذلك أسباب وطروف لا محل لسردها الآن. ويفيدنا في هذا المقام أن في عملهم هذا، نشرا للعلم وتيسيرا لطلبه، ومعاونة لطلبه. وإذا كانوا يفعلون ذلك تقربا إلى الله، ويجرون الأرزاق على الطلاب، فبدهى أنهم لم يتقاضوا أجورا على التعليم، يرهقون بها الطلاب ـ إذا استثنينا دراهم معدودة كان يجود بها آباء الصغار لمعلى المكاتب ـ.