/ صفحه 198/
ولما كانت المعرفة المجردة لا قيمة لها ما لم تظهر ثمرتها، فإن القرآن يعمد إلى توجيه الإنسان للعمل بمقتضيات تلك المعرفة بأسلوب رائع يأخذ بمجامع الألباب، فيقول: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلنا كم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ليجعله دائما على ذكر من وحدانية الخالق ووحدة الأصل والأخوّة الإنسانية (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) فأنتم أخوة، والإخوة سواسية في كل حق وواجب، تحمل الإخوة ـ على الرغم من تعدد شعوبهم، وتباين قبائلهم " على التعارف والمودة والمحبة والتعاطف والتراحم والتناصح والتآزر، وهذا أقصى آمال الإنسانية الرقية المهذبة.
وهكذا ترى القرآن يضع أمام الإنسان وحدة الخالق؛ ووحدة الأصل؛ والأخوة الإنسانية في إطار واحد، يزيده جمالا تحديده غاية الإنسانية "لتعارفوا" تحديداً اساسه التعارف المستلزم للألفة والوئام، والتعاون والمحبة والسلام، والعدل بين أناس هم إخوة أحرار متساوون. وكما قلت في مقال فئت: إن القرآن بهذاا بين أناس هم إخوة أحرار متساوون. وكما قلت في مقال فائت: إن القرآن بهذا النهج الرائع كان أول مبتكر لفكرة الجامعة الإنسانية. أو فكرة العالمية التي تجعل الإنسان أخا للإنسان و"مواطنا عالميا" يحنو على أخيه في كل مكان، على بعد الدار وسعة الفواصل وطول الأسفار؛ ومن هنا أخذ الغربيون عن الإسلام فكرته السامية ودعوا إليها باسم: "الزمالة العالمية" وتجددت الدعوة إليها اليوم باسم: "المواطن العالمي" و"الحكومة العالمية" ولكن شتان بين الأسس التي تُقَوِّم الفكرة الإسلامية، والأسس التي تقوم الفكرة المقدة لها!!.
خالق الإنسان عليم خبير بالنفوس البشرية، وقد علم سبحانه أن سلوك هؤلاء الإخوة في حياتهم العملية لابد أن يتباين ـ نتيجة لمدى استخدام الطاقة العقلية، وشعورهم بالأخوة الإنسانية ـ تباينا يقضى بالتفاوت والتمايز بين الأفراد، وهذا أمريحتم وضع مقياس صحيح لا عوج فيه، يقاس به هذا التمايز، ويُحكّم في تحديد مدى صلاحية الأفراد عند الله وعند الناس.
ونظر الخطورة الأمر بين أعضاء الأسرة الإنسانية، لم يكل القرآن الكريم