/ صفحه 197/
كذلك نجزى الظالمين" وأذن فليس هناك إنسان فيه عنصر إلهى يجب على الناس تقديسه، وليس لإنسان أن يفتات على حرية إنسان أو يقيد حريته، وإنما ذلك للخالق وحده، ولقد وضع حدودا لهذه الحرية. وقرر متى تعطل أو تقيد نفسها، ولم تكن تلك الحدود والقيود إلا لمصلحة الإنسان، ولضمان حريته وسعادة مجتمعه، وقد وكل الله إلى الأمة رعاية ذلك، ولم يجعله حقا لفرد يمتاز به على فرد آخر؛ فدفعُ العدوان، والظلم عن الأموال والأنفس والأعراض له سبيله المقررة في الحدود التي شرعها الله في القرآن الكريم: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله).
"و لكم في القصاص حياة".
"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة". "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة". وكذلك بيْن القرآن وفصْلت السنة الدواعى التي توجب تعطيل الحريات أو تقييدها لمصلحة الفرد والمجتمع، وليس وراء عدوان الإنسان على الأموال والأنفس والأعراض وخيانته أمنه سبيل إلى تعطيل حريته أو تقييدها.
ولكى يركزِّ القرآن ذلك المبدأ السامي؛ نراه يحرص في كل مناسبة على تذكير الإنسان بأن خالقه وخالق الكون كله واحد. سبحانه وتعالى عما يشركون؛ وعما يصفون؛ ليشعره دائما بحريته، ثم يعرض على الإنسان وحدة خالقه مشفوعة بوحدة الأصل الذي خلقه من فيقول: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجلا كثيرا ونساءً. واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبا" ليشعره بوحدة أصله بعد أستيقانه بوحدانية خلقه، ولا ريب في أن شعور العاقل بأن الخالق واحد، والأب واحد، والأم واحدة، يحمله على أن يعرف أنّ لأخيه مثل الذي عرفه لنفسه من حقوق وواجبات، وأن الإنسانية رحم بين أفرادها، وأن الأرحام يحب أن توصل، وأنّ قطعها لم يأذن به الله، وأن الله رقب على الناس في تعاطيهم حرياتهم وصلة أرحامهم.