/ صفحه 191/
المصنف رحمه الله تعالى: تم تفسير هذه السورة بحمد الله تعالى يوم الأربعاء السابع من شعبان ختم بالخير والرضوان، سنة إحدى وستمائة، وقد كنت ضيق الصدر جدا بسبب وفاة الولد الصالح محمد، تغمده الله بالرحمة والغفران، وخصه بدرجات الفضل والاحسان، وأنا أوصى من طالع كتابى هذا واستفاد ما فيه من الفوائد النفيسة العالية أن يخص ولدى ويخصنى بقراءة الفاتحة، ويدعو لمن مات في غربة بعيدا عن الاخوان والأب والأم بالحمة والمغفرة، فإنى كنت أيضاً كثير الدعاء لمن فعل ذلك في حقي.
نقلنا هذا الكلام من الكتاب بنصه، ليدرك القراء مدى التأثر العميق الذي كان الرجل قد بلغه، ومدى اللوعة التي كان يحس بها على فقده هذا الابن البار، وهو مع ذلك يجلس ـ لا أقول على مكتبه تحت مصباحه الكهربي، وفى يده قلمه السيال، ولكن أقول ـ على "حصيرته" الخشنة، وأمامه مسند من الخشب، وسراج يتخافت نوره، وفى يده قلم من القصب تمده محبرة غاض مدادها وحال لونه، وه. مع ذلك يكتب تفسيره، ويفكر في استنباط المعانى الرائعة من كتاب الله، ولا يشغله همه الممض بوفاة "ولده الصالح محمد" غريباً عن اخوانه وأمه وأبيه، لا يشغله ذلك عن عمله الذي يسره الله له! فأى عزم هذا وأى ثبات؟ ألا إن هذا لمثلٌ رائع من ربْط الله على قلوب المؤمنين العالمين، وقد يذكرنا ذلك بكلمة عن ابن رشد يقول فيها: "إننى لم أنقطع عن مذاكرة العلم منذ عقلت إلا ليلتين: ليلة مات أبي، وليلة تزوجت"، وقل مثل هذا عن ابن منظور المصرى الذي ألف كتابه المحيط الجامع المانع "لسان العرب" وأودعه جميع ما في لغة العرب وموادها، وعنى عناية خاصة بألفظ القرآن الكريم، والحديث النبوى الشريف، والشواهد الفصيحة، فوقع كتابه في عشرين جزءا هى الذخيرة في المكتبات القيمة التي يهنأ صاحبها يحوزها.
وغير هؤلاء من المؤلفين الذين ربط الله على قلوبهم وحببب إليهم العلم كثير كثير، وقد أفادت الإنسانية في حاضرها وماضيها من هؤلاء الأفذاذ وأمثالههم فوائد لا تقل في قدرها وقيمتها عما أفادته من المخترعين الذين يعيش الواحد منهم في