/ صفحه 192/
معمله أو مصنعه كأنه يعيش في فلاة أو جبل، منقطعا عن الدنيا ولذائذها وشهواتها، ليتابع فكرة، أو يلاحظ سببا أو علة، أو يستنبط بعقله ما يفيد الناس، وكما أن المدنية العملية مدينة لهؤلاء المخترعين بهذا الفضل العظيم، فان المدنية العلمية والعقلية مدينة لأولئك المؤلفين المحققين.
ولا ينبغى أن يظن ظان أننا ندعوا إلى التمسك بكل قديم فان من القديم ما أساء إلى العلم، وأثر في العقول بأثيرا ضارا، كهذه الاسرائيليات التي شخت بها كتب التفسير، وكالروايات الضعيفة في سندها أو متنها التي حكمت في فهم كلام الله وسنة نبيه، وكالأحكام الفقية التي ولدها المتعصبون من أتباع الأئمة ولم يملها إلا فكرة الدفاع عن المذهب، ولى الأدلة والمصادر وتحريفها لتتلاقى معها، وكالآراء الغالية والمعارف الفرعية التي دارت حولها خلافات الطوائف والمذاهب، وقطعت ما بين الأمة الواحدة من الأواصر، وأمثال ذلك مما خلط به العلم ولُبِّس فيه على العقل، وفتحت به على المسلمين منافذ الشر.
وإن جماعة التقريب بين المذاهب الإسالمية بتكوينها القوي، وغرضها الشريف، ووسائلها الفعالة، وصلاتها مجميع الطوائف الإسلامية، ومكتبتها الجامعة، ومجلتها الذائعة، لجديرة بأن تنظر في هذا التراث العظيم نظرات أمينة رزينة، فتفض عنه الغبار، وتنفى منه الزيف، تعرضه على العقول في ثوب يناسب جلاله وخطره، ويليق بالإسلام والمسلمين، ويدفع إلى ساحته من نفر منه أوندّ عنه.
إن ذلك لمن أغراضها الشريفة ومن أعز أمانيها التي تسعى إليها، وهى لذلك تشكّر القائمين بهذه الفكرة الجليلة على ما اعتزموه من العمل على إحياء هذا التراث المجيد، وتعتز بكل جهد يبذل في سبيل ذلك، وتؤيد القائمين به، فكلنا عاملون على مجد الإسلام، مشتركون في إنهاض المسلمين، تواقون إلى منزلة العزة بالعلم والخلق والقوة والإصلاح، ترفى إليها أمتنا العزيزة حيثما وجد مسلم في أرض الله.
وسلام على كل من ساهم في خير، أو حث على علم، أو أمر بمعروف أو إصلاح بين الناس؟