/ صفحه 172/
واتخذ الانكليز من وثيقتهم دستوراً لحرياتهم التي اكتسبوها بعد صراع مرير، في عهد الملك جون ملك بريطانيا، ووقعها الملك في 15 يونيو سنة 1215 م تحت ضغط ظروف لا نريد أن نعرض لها لأنها لا تمس الموضوع الذي نعالجه اليوم، وتقع تلك الوثيقة في حوالي ثلاثة وستين من المواد، وظلت عرضة للتعديل حتى استقرت بصيغتها النهائية التي يعرفها العالم الانكليزي اليوم في1225.
كما اتخذت فرنسا بل اتخذ العالم، شرقيه وغربيه، من الوثيقة التي كانت نتيجة الثورة الفرنسية سنة 1789 م، ما يعدونه الأساس لكل حرية أو كل تفكير في العالم يومذاك، وإذا طرحنا جانباً تلك الديباجة الطويلة للوثيقة الفرنسية والتعليق عليها، لو فعلنا ذلك لوجدنا خطبة حجة الوداع في بساطتها تتكفل في أسلوب سهل بسيط بتلك المبادئ التي فخرت أوروبا بأنها وليدة عقلها الجبار، وجهادها المبارك، كما فخرت أمريكا في هذا العالم بأن على أرضها أعلنت تلك الحريات باسم خمسين من الدول وافقوا عليها وباركوها، بارك الله فيهم، وهداهم سبيل الحق والرشاد، فكم قرناً يا ترى مرت بين حجة الوداع وبين إعلان أول وثيقة للحريات قد كانت حجة الوداع في سنة 631 م، ومعنى هذا أن قروناً ستة قد رمت منذ أعلن على لسان محمد عليه الصلاة والسلام حق الإنسان مفصلاً حتى عهد MAGNA GHARTA وأحد عشر قرناً حتى أعلنت حقوق الإنسان على يد رجال الثورة في فرنسا في الوثيقة التي أسلفنا الإشارة إليها.
ثم ماذا؟ إنك لتجد قواعد الاعتراف بالكيان الانساني، وحق الإنسان في المساواة في شتى بقاع الأرض ماثلة لأول نظرة في سطور قلائل لا يعيك حفظها وفي أسلوب سهل محبب للناس، حفظها المسلمون أو ـ مع التحفظ ـ جمهرتهم عن ظهر قلب، وتدارسوها مدارسة الشيء المقدس لديهم، ولم تعد مجرد ألفاظ قانونية صيغت صياغة قانونية، في أسلوب جاف، ثم أودعت أضابير المكتبات، فلم يعد يعيها إلا الاخصائيون المعنيون بدرسها، وبذلك رسخت تلك السطور القلائل في نفوس الجيل الأول الذي عمل بها، فاقتلع من الأرض أمماً طاغية وجعلها أثراً بعد عين، وبنى على أنقاضها دولة سادت العالم على وجه لا يكابر في فضله إلا من