/ صفحه 173/
كابر في الشمس ونفعها للناس، ثم ماذا؟ نحن لا نريد أن نتهم بالمغالاة والتعصب فنقول مع القائلين أن كل فضل في التقليد العلمي أو الاجتماعي أو السياسي عرفته أوروبا من عصر النهضة وما بعدها، هو أثر من تراثنا المجيد، وشفق من شمسنا التي غابت على ذلك الفردوس المفقود في الأندلس، وما استفاد من نوره من بلد، نعم لا نريد أن نقول ذلك ـ وإن كان عليه ميسورا ـ ولكن هل استطاعت تلك الثورات، وما خلفت من وثائق ؛ أن تهدي شعوباً جعلتها دستورها، للعمل بها، أما انا فجد عليم بالجواب، فيما رأيت في جنوب أفريقيا، وما رأى الثقات في الهند وفي أمريكا من مساوة، معكوسة للسود فيها جناح في المقام، وللبيض آخر، حتى أماكن العبادة، وفضلاً عن أماكنهم المحتقرة المرذولة في سبل المواصلات ـ بل وهو الذي يقضي منه العجب ـ في البحر المحيط الطهور ماؤه الحل ميتته، والذي يغسل أوضار الناس من أدناسهم تجد فيه المفاضلة بالجنس واللون والدين، وفي غيره، على نحو أو آخر من المفاضلة، وحسبك ما يقرأ الناس عن قضايا الزنوج والبيض والسود في أمريكا أم البلاد التي أعلن على أرضها حق الإنسان، أما نحن وأما وثيقتنا فقد انتجت، ما أحب أن يرجع إليه قارئي الكريم في العدد الماضي من هذه المجلة، وإنه لواجد ما احترمه الإسلام في أصوله العامة، وأقره أصولاً كلية جاءت الشريعة الغراء بحفظها، ولن تجد لها نسخاً، ذلك هو : الكليات الخمس : الدين، النفس، العقل، النسل، المال. التي أفاض العلماء في تفصيلها وإيضاح ما يتعلق بها(1). والتي بينا طرفا منها في المقال السابق، كما بينا شمول تلك الأحكام إلى القليل منها للمسلمين وغيرهم، وأن اختلاف الناس فيه قد رجع إلى شيء يشبه مبدأ اختلاف الجنسية في العصر الحديث.
فإن كانت الـ MAGNA GHARTA ـ وأختها الفرنسية ـ حفظت الحرية للفرد، وقالت إن الأفراد لدى القانون سواء، وإن حريتهم الشخصية مكفولة
_____________
(1) راجع الموافقات للشاطبي. المسألة الثامنة من كتاب الأدلة الشرعية، والمسألة الأولى من الفصل الثاني من الأحكام والنسخ.