/ صفحه 168/
أما نحن في الشرق الإسلامي فلا نزال نصغي إلى دعاة العنصرية، ونسكت على ألاعيب الأيدي الأجنبية التي تحبذ العنصرية، وتخترع الوسائل لتمكينها في النفوس، مع أن الإسلام مال بنا عنها، ووجهنا إلى الطريق القويم، وقرر أن لا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى، ولا ميزة للعرب ـ وهم قوم الرسول ـ على غيرهم من المسلمين إلا بحسن العمل.
والثانية : التعصب المذهبي أو الاختلاف الطائفي ـ ولولا شهوات الحكم لم يتعد حدوده المعقولة ولم يصبح مشكلة ـ لقد استغلته السياسة أشنع استغلال فجعلت المسلم يفر من أخيه أكثر مما يفر من عدوه، ويضمر لأخيه عداوة أشد مما يضمر لخصمه، وكم من مآس جرها على المسلمين هذا التعصب، وكم أريق بسببه من دماء وكم من سيوف شهرت على الإخوت بدل أن تشهر على الأعداء، وكم من قوى بذلت في محاربة أبناء التوحيد بدل أن تبذل في محاربة المشركين. مع أننا لو دققنا النظر وأنصفنا في الحكم، لوجدنا الخلافات المذهبية لا تمس أصول العقائد التي يجب الإيمان بها، ولو أن أهل السنة تعرفوا على إخوانهم الإمامية والزيدية من الشيعة، وتعرف الشيعة على إخوانهم أهل السنة، لتبين لهم جميعاً أن الخلاف بينهم ليس على الأصول، وأن كثيراً من الشُّبه التي وجدت في أفكار كل طائفة عن الطائفة الأخرى، ليست إلا من صنع المفترين، وأن الخلاف بينهم غالباً، شبيه بخلاف الفقهاء في أن واحداً يجهعر البسملة في صلاته، والآخر يسرها، أو أن واحداً يمسح على القدمين والآخر يغسلهما، ونحو ذلك من الخلافات يمكن أن يحتفظ كل فريق برأيه فيها وأن يحترم رأي غيره، فإذا كان المسلمون قد استطاعوا أن يقفوا أمام خلافاتهم الفقهية في العصر الأخير موقف التسامح، ولم يعد بينهم يتعدى على مخالفه في الرأي ـ كما فعل الذي كسر إصبع صاحبه لأنه يرفعها في التشهد ـ فإنهم قادرون على مثل ذلك في آرائهم الفكرية ومعارفهم التي لا تتصل بالعقائد ولا تشترط في الإيمان.
وها نحن أولاء نرى الأزهر الشريف يدرس الفقه المقارن بين جميع المذاهب