/ صفحه 162/
الالتزامات أمراً متغلغلاً في النفوس، متصلاً أوثق اتصال بعقد الإيمان، بحيث لا يبقى لقوة فيى الأرض أن تحلله منه، سواء في ذلك دوافع المنفعة أو طلب النفوذ، أو زيادة الرخاء، أو المجال الحيوي، أو التوسع الاقتصادي، أو التوازن السياسي أن أو غير ذلك.
وإلى هذا كله يشير القرآن حيث يقول : (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة، إنما يبلوكم الله به) 16 : 91، 92.
فإذا نحن رجعنا إلى السنة النبوية وجدناها قد بلغت من الدقة في تطبيقها لهذه التعليمات القرآنية مبلغاً يكفي في وصفه أن نورد بعض أمثلة منه :
كان أبو جندل من المسلمين المحصورين في مكة، فبينما كانت تكتب شروط صلح الحديبية أقبل يرسف في قيوده ليقيم مع المسلمين، وإذ كانت المعاهدة لم توقع بعد، كان من الممكن ألا يطبق عليه شرط رد اللاجئين، ولكن ممثل قريش عارض في ذلك بحجة أن الاتفاق الشفوي قد تم آنفاً قبل قدوم هذا اللاجىء، فصدقه النبي عليه الصلاة والسلام، وتركه يأخذ بتلابيب المهاجر ليرجه إلى مكة، ولم يكن صياح أبي جندل وشكواه وإعلان خوفه من أن يفتنه المشركون عن دينه إذا رجع إليهم، ولا الألم النفسي الذي أصاب المسلمين بسبب هذه التنازل ـ لم يكن كل ذلك ـ ليغير من موقف النبي وما زاد على أن قال : (يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، ولكننا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك عهدا، وإننا لا نغدر بهم ـ أو ـ وإنه لا يصلح في ديننا الغدر) ولقد تكرر مثل هذا الحادث بعد في شأن أسير آخر وهو أبو بصير، وكان الحل هو الحل.
وإليك مثالاً من نوع آخر كان القادم فيه من المشركين لا من المسلمين، وجاء مبعوثاً لا هارباً ذلك هو أبو رافع الذي قدم برسالة من قريش إلى النبي فما هو إلا أن رأى