/ صفحه 160/
فإذا نحن درسنا الوثائق التي تركتها لنا السير عن العلاقات السياسية النبوية، استطعنا أن نتبين فيها أنواعاً مختلفة من المواثيق :

إعلان الأمن والحماية :
لعل أبسط العقود السياسية هو التصريح الذي يصدر من جانب واحد، ولا يُلزم إلا الطرف الذي أصدره، كاعلان دولة ما : أنها تلتزم الأمن والحماية لدولة أخرى. وإننا لنجد من هذا النوع مثالاً واضحاً في ذلك العهد الذي أعطاه النبي لأهل سوريا ومن معهم في أثناء عزوة تبوك، وضمن لهم فيه حرية انتقالهم، وأمن قوافلهم البرية والبحرية، وحرية استعمالهم للطرق ومجاري المياه، على شريطة واحدة، وهي ألا يثيروا على المسلمين شغباً.

ميثاق عدم الاعتداء من الجانبين:
لكن المعاهدة بالمعنى الصحيح تتطلب اتفاقاً وتبادلاً للمنافع يقبله طرفا العقد جميعاً. وإن أقل ما يتحقق فيه هذا النوع من العهود، هو التعاقد الذي لا يتضمن إلا التزامات سلبية تنحصر في امتناع كلا الطرفين عنكل فعل ضارّ بالآخر. وقد نقل لنا المؤرخون أمثلة لمواثيق من هذا النوع عقدها النبي والتزم فيها الطرفان ـ إما لمدة غير محصورة، وإما إلى أجل معلوم ـ ألا يهاجم أحدهما الآخر، ولا يحالف عدواً له، ولا يساعد معتدياً عليه. فمن هذا القبيل ميثاقه إلى أجل غير مسمى مع بني ضمرة في السنة الثانية من الهجرة، ومنه أيضاً ميثاق الهدنة التي عقدها مع قريش في السنة السادسة من الهجرة لمدة عشرة أعوام.

(جـ) المحالفة:
على أن الحقوق والواجبات المتبادلة إنما تبرز في أكمل مظاهرها في عهود الحلف، ومن أمثلة هذه العهود في حياة الرسول، تانك المحالفتان اللتان مهد لهما صلح الحديبية حيث خول كلا من الفريقين أن يختار حليفاً له من بين القبائل العربية فاختارت "خزاعة"، أن تحالف محمداً، واختارت "بنو بكر" أن تحالف قريشاً. ولقد كان من نتائج تطبيق هاتين المحالفتين أن نهض المسلمون في السنة الثامنة لنجدة