/ صفحه 158/
فنحن نعرف مدى ما تستنفده الحرب الطويلة الأمد من جهود الشعوب وقواهم، وكيف أنها تصيب نشاطهم التعميري بالجمود والشلل، وعلاجاً لهذه الحالة سن القرآن، أو بالأحرى أحيا تلك السنة القديمة التي توجب عدم استمرار الحروب حولاً بأكمله، فتقرر في أثنائه هدنة جبرية تعود فيها العلاقات السلبية، وتأخذ الحياة مجراها الطبيعي بين الأمم في مدة أقلها أربعة أشهر، هذا الوضع الذي تُكف به أعمال الحرب جبراً خلال ثلث العام لا تنحصر مزيته في إشعار المتحاربين بلذة السلم في هذه المدة فحسب، بل إنه بما يتركه من الأثر في نفوس الجماهير يثبطهم عن الشر، ويغريهم بإطالة أمد الصلح، وتحويله من هدنة مؤقتة إلى هدنة حقيقية أو إلى سلم دائم.
(و) التسلح :
من انواع العلاج الواقي الذي يوصي به ساسة الغرب في العصور الحديثة منعاً لنشوب الصراع بين الدول، مشروع منع التسلح أو تقييده. غير أن هذا العلاج لم يتخذ قط حتى الآن صفة القانون الدولي ولم تطبق مبادئه تطبيقاً عادلاً على الجميع وإنما كان يفرض على المغلوب وحده، بل يمكن القول بأن تطبيق هذا المبدأ الذي يتعارض وغريزة البقاء سيظل دائماً حلماً مستحيل التحقق.
أما القرآن فإن نظرته الواقعية النفاذة جعلته على العكس من ذلك، يحضنا على أن نعد للطاغيت كل ما استطعنا من قوة، على أن تلك النظرة الواقعية إلى الوسائل التي يجب اتخاذها لم تكن لتحول نظرته المثالية إلى الغايات العليا التي يهدف إليها من وراء هذا الاستعداد الحربي، وهي غاية تختلف كل الاختلاف عن الغايات التي يسعى إليها الغزاة الطامحون، فالمسألة في نظر القرآن ليست مسألة إعداد للهجوم على الأعداء، بل للتحصن من شرهم، وإنذارهم بالقوة الباطشة التي تنتظرهم إذا لم يقفوا عند حدهم (8 : 60).
ها هنا يمكن أنجع علاج في نظرنا لآلام الإنسانية الحاضرة، فليس الشأن في أن نقلل من مقادير عتادنا الحربي أو نغير من طبيعته وإنما الأمر في أن