/ صفحه 157/
(د) حظر وسائل الانتقام الوحشي:
يستنكر القرآن في غير موضع تلك العادة الهمجية التي يشيع استعمالها في اثناء الحروب، ألا وهي تعذيب الأعداء ومعاملتهم بالقسوة والخشونة، وإنه ليصل في استنكار هذه الفعلة إلى حى أن يعى تعذيب العدو أشد جرما من القتل (والفتنة أشد من القتل) 2 : 191 (والفتنة أكبر من القتل) 2 : 217.
ثم إننا نجد تعاليم الرسول التي كان يوجهها إلى قواد حملاته الحربية زاخرة بنصائحه لهم على التزام النظام وحسن السلوك في قتالهم، ومن بين هذه النصائح تحذيره المتكرر لهم من السلب والنهب والقتل غدرا، والتمثيل بجثث القتلى، نعم إنه ذات مرة اشتد غضبه من أهل مكة لتمثيلهم بجثة عمه حمزة الذي استشهد في غزوة أحد، وحمله ذلك الغضب على التفكير في مضاعفة الانتقام منهم في واقعة مقبلة، ولكن القرآن لم يلبث أن نفره من هذه المحاولة، محذراً إياه من مجاوزة الحد في الانتقام، مرغباً له في الصبر والصفح (16 : 126، 127) فلم يسع النبي عليه الصلاة والسلام إلا العدول عن هذه الفكرة، واختار ما هو أليق بخلقه الكريم، فشمل مجرمي الحرب هؤلاء بكرمه وصفحه.
ولقد بلغت به دقة تطبيقه لحكم القرآن الذي يأمر بالعفو عن الأعداء متى انتهوا عن عدوانهم أن نهى عن تعقب من يفر منهم من الحرب، فما بالك بمن يلقى سلاحه ويتقدم إلينا في صراحة بعبارات السلام والاستلام؟ إن القرآن ليحرم علينا إيذاءه تحريما قاطعاً حتى لو كان بحجة الشك في صدق إيمانه (4 : 94).
تلك كلها أدلة ملموسة على أن الإسلام لا يرمي قط إلى القضاء على أعدائه، ولا إلى الاستيلاء عليهم بالقهر، ولكن إلى تجنب خطرهم، فمتى تحقق هذا الغرض لم يبق للصراع في نظره مبرر.
(هـ) الهدنة الإجبارية في الأشهر الحرم :
وهذا أسلوب آخر من أساليب تخفيف ويلات الحرب.