/ صفحه 156/
لكل ألم نفسي، يبدو لنا ذلك جلياً بتأمل المثال التالي الذي ترويه لنا الآثار عن واقعة خيبر، ذلك أنه حين انتهى حصار هذه المدينة بنصر المسلمين، وقعت امرأتان يهوديتان في أسر بلال، فمضى بهما بلال إلى مركز القيادة، ماراً بميدان المعركة حيث سقطت جثث القتلى من اليهوى، وكان لهذا المشهد أثره العميق في نفس إحدى الأسيرتين، فصاحت وأجهشت بالبكاء، وما إن علم النبي بسلوك بلال هذا، حتى استنكر فعلته، ووجه إليه اللوم العنيف قائلاً : (هل نُزعت منك الرحمة يا بلال حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟).
وينساق بنا الحديث في هذا المعنى إلى التنويه بالقاعد الإسلامية المتعلقة بأسرى الحرب، والتى تحرم الفصل بين المرأة الأسيرة وأبنائها، وتوجب الجمع بينهم في مكان واحد، فيالها من عناية رحيمة حتى في معمة البأس.

النهي عن حبس الطعام من المدن :
ويظهر أن الإسلام لا يستحسن ـ بل لا يبح ـ فرض حصار يرمي إلى حبس الطعام عن مدن الأعداء، أو أن هذا على الأقل هو ما تدل عليه حادثة ثمامة (أحد أشراف بني حنيفة) فقد صمم هذا الرجل وهو في حداثة إسلامه، وأقسم مندفعاً بحرارة إيمانه الغض على منع تموين مكة بالحبوب التي تنتجها بلاده (اليمامة) ما لم ينهه النبي عن ذلك نهياً صريحاً، فلما عانى أهل مكة ما عانوا من بأس هذا الحصار وجهوا إلى النبي رسالة موجزة يقولون فيها : (إنك تأمر بصلة الرحم، ولكنك قطعت أرحامنا فقتلت الآباء وجوعت الأبناء) فبعث النبي على الفور إلى ثمامة يأمره برفع هذا الحظر، وبأن يدع أهل مكة يتمتعون بمواردهم العادية.

(جـ) تقييد مرمى الأسلحة:
ومن ثمرات القاعدة التي توجب حصر العلميات الحربية في الأهداف العسكرية النهي عن استعمال الأسلحة البعيدة المدى، وخاصة كل وسيلة عامة للتدمير كالتغريق والتحريق.