/ صفحه 155/
لكنه ـ حتى في هذه الحال المشروعة ـ لا يبيح الأحد أن يخوض عمار الحرب منقاداً بسورة الغضب، أسيراً لغريزة الانتقام، دون تعقل ولا عاطفة إنسانية، بل يوجب أن يسير فيها الجيشان، وفق قانون معين يضبط هذه الانفعالات وينظمها.
فلنعرض الآن بعض تلك التعاليم التي أراد الإسلام ـ لا أقول أن يمحو بها إلى الأبد تلك الكارثة العالمية، فذلك ما لا يمكن تحقيقه ما بقى على الأرض، شريرون لا يقمع نشاطهم الإجرامي إلا بالقوة ـ ولكن اراد الإسلام بهذا تضييق مجال الحروب، وتخفيف عواقبها الوخيمة.

الأهداف الحربية:
رأينا كيف أن القرآن حين أباح الحرب الدفاعية المشروعة قد ميز تمييزاً واضحاً بين المحاربين وغير المحاربين، فأمر بألا يقاتل إلا المقاتل، ولا بد أن نفهم من كلمة المقاتلين : أنهم الذين يحضرون ميدان القتال بالفعل ويستخدمون فيه قوتهم العدوانية.
ولقد استرشد التشريع الإسلامي بتعاليم النبوة في هذا الشأن فحدد هذا الشرط على وجه يزيل كل لبس، ويكفل إبعاد شرور الحرب عن الضعفاء، ويجنب المدنيين كل ويلاتها، فالأطفال والشيوخ والنساء والمرضى والمعتوهون ن بل حتى الفلاحون في حرثهم، والرهبان في معابدهم(1) كل أولئك معصومون بحصان القانون من أخطار الحروب.
والذي يلفت نظرنا بوجه خاص في هذا المقام هو حرص الإسلام، لا على حماية هؤلاء الضعفاء من الاضرار المادية فحسب، بل على حمايتهم أيضاً من التعرض
______________
(1) هذا أحد الأدلة الساطعة على أن هدف الحرب الإسلامية ليس هو محو الديانات الأخرى، فها نحن أولاء نراه على العكس من ذلك يحرص على تحصين أبناء تلك الديانات وحماية رؤسائها ـ الذين هم أبرز من يمثلها ـ من كل عدوان ما داموا بعيدين عن إشعال نار الحرب.