/ صفحه 154/
"ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. وتعاونوا على البر والتقوى. ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (5 : 2).

3 ـ الصلح المجحف خير من الانتصار الدامي
من هنا نرد أن الحروب في نظر الإسلام شر لا يلجأ إليه إلا المضطر. فلأن ينتهي المسلمون بالمفاوضة إلى صلح مجحف بشيء من حقوقهم، ولكنه في الوقت نفسه يحقن الدماء، خير من انتصار باهر للحق تزهق فيه الأرواح.
وإن لنا في موقف الرسول في غزوة الحديبية لنموذجاً حسناً لهذا الروح العالي في التسامح والصفح، حرصاً على السلام من جانب الطرف الأقوى، فهو لم يكتف بالرجوع مع جيشه من حيث أتوا، وبتأجيل ما كانوا أجمعوا على أدائه في ذلك العام من المناسك "زيارة الأماكن المقدسة"، ولم يكتف بأن رضى بتجريد اسمه في نصوص الهدنة من كل لقب تشريفي هو أهله، ولكنه فوق ذلك كله قبل مختاراً مقترحات الهدنة التي لا يعامل فيها الطرفان على قدم المساواة. بل تخول الأعداء حقوقاً لا تخولها المسلمين، ناهيك بالشرط الذي يُلزم المسلمين باعادة من يلجأ إليهم فراراً من معسكر قريش، بينما تجعل للهاربين من معسكر المسلمين حق البقاء في معسكر قريش دون إزعاج ولا رد، ونحن نعرف كم كان هذا الموقف البالغ الحد في المسألة مثير الاستفسارات الصحابة واعتراضاتهم. ولكن كل هذه المآخذ لم تكن لترجح كفة الحرب في نظر قائدهم الأعلى، ولم تكن لتعدل به عن طريق السلام الذي يحفظ به دماء الناس وأرواحهم. ولنستمع له حين يقول مصمماً في جواب السائلين له عن السر في هذا العدول عن دخول مكة "والله لا تدعوني قريش إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم، إلا أعطيتهم إياها".

4 ـ قواعد الحرب
هكذا يوصينا الإسلام بالمصابرة ما بقى في قوس الصبر منزع ولا يخولنا حق الالتجاء إلى القتال، إلا حيث يفرضه علينا العدو فرضا، وحيث يكون القعود معناه الالقاء باليد إلى التهلكة.