/ صفحه 15/
هذا وذاك مثلان للمنافقين لله ظهر لهم الحق فالتوت عنه قلوبهم، وبزغ عليهم نور الهداية فغشيتهم ظلمة الشهوات والأهواء .
هذه الطوائف الثلاث هي صنوف الناس بالنسبة للانتفاع بالقرآن، بينها الله لنبيه وهو شأن لا بد من معرفته لكل داع إلى الحق. لا بد أن يعرف المعاني التي تقابل بها دعوته فيتخذ لها أهبته، ويعامل كل طائفة بما يناسب نزعتها فيطمئن إلى المتقين الذين سلمت قلوبهم، ويريح نفسه من الذين أعلنوا خصومة الحق، ويحترس من المنافقين فلا يولى وجهه شطرهم، ولا يتغير بظواهر هم، ولا ينخذع بأكاذيبهم، وبذلك تستقيم دعوته، ويستقر سلطانه، وتصل أمته إلى أقصي درجات الخير والفلاح.
أصول الدين عند الله:
وجهت السورة بعد هذا نداء عاما إلى الطوائف كلها بوصف الإنسانية العام "يأيها الناس" الذي جُعل عنواناً في الخلق والتقدير على العقل والنظر والتدبر، رجاء التخلص مما يفسد عليهم إنسانيتهم التي تقضى باعتناق الحق والعمل بمقتضاه، والتمتع بلذته والاهتداء بهديه ونوره .
أجملت في هذه النداء دعوة القرآن التي هي عناصر الحق وأصول الدين عند الله وهي:
(1) التوجه إلى الله وحده بالعبادة .
(2) الايمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) الايمان بدار البعث والجزاء.
كان القوم مع اعترافهم بأن الله هو الذي خلق الأرض والسموات، وأنه هو الذي خلقهم ورباهم يتجهون في العبادة والتقديس إلى غير الله يتقربون إليهم، ويستعينون بهم، وكانوا إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا؛ فأمروا بعبادة الله وحده، وأرشدهم في سبيل ذلك إلى أن الله ربهم هو الذي خلقهم وخلق من كان قبلهم من الآباء والأجداد، وأن نسبة آبائهم وأجدادهم إليه سبحانه كنسبتهم إليه: فهو رب الكل، خالق الكل، والمنعم على الكل.