/ صفحه 16/
فليس الحق بالنسبة للجميع إلا ما أمر الله به، ليس ما سواه إلا الباطل، وإن درج عليه الآباء والأجداد "اعبدو ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم تتقون".
ثم بعد أن أرشدهم إلى دلائل التوحيد القائمة بأنفسهم. أرشدهم إلى الدلائل المحيطة بهم في أرضه وسمائه، والتي أنعم عليهم فيها بوسائل الحياة وموارد الرزق، فجعل لهم الأرض فراشا، صالحا للسكني والسعي والإنبات، وجعل لهم السماء بناء تشرق عليهم شمسه، وتضيئهم كواكبه، وبذلك صاروا بين نعمتي الأرض والسماء يتمتعون بما تنزل السماء عليهم من ماء، وبما تخرج الأرض لهم من طيبات وأرزاق كل ذلك في نظام محكم، وصنع دقيق لا خلل فيه ولا اعوجاج "الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم" وإذا قد تبينتم الدلائل، وعرفتم مصدر تربيتكم والإنعام عليكم، وأنه لا شأن لغير الله في الخلق والإنعام، فلتتجهوا إليه وحده بالعبادة التقديس، وحذروا كما هو قضية العقل والإنسانية البريئة أن تشركوا به شيئاً "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون".
***
وكان القوم ينكرون على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رسالته، وينكرون عليه أن القرآن وحي من عند الله، فحاكمتهم هذه الآيات إلى أنفسهم، وتلطفت معهم أولا المحاكمة: طلبت منهم إن كانوا في ريب من أن الله أنزل القرآن على عبده وكانوا صادقين في أنه من عند محمد - ومحمد بشر مثلهم نشأ في جوهم، وفيما بينهم - أن يأتوا من عند أنفسهم بحديث مثل هذا القرآن، يجمع إلى البلاغة التي خرت لها الجباه، وإلى الإخبار بالغيوب النفسية والكونية والماضية والمستقبلة قوانين الأخلاق، ونظم الاجتماع، وسنن الكون، وأصول التشريع التي لا ينقضها علم، ولا تنبو عنها حياة، طالبتهم بهذا، وطالبتهم أن يستعينوا فيه بمالهم من شهداء وأعوان وأنصار "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة‌ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين".