/ صفحه 146/
من الاستعلاء في الظاهر، فبحثوا عن وسائل للاستعلاء من طريق خفي، ولهؤلاء أمثلة كثير كالسحرة والمشعوذين والدجالين من رجال الدين الذين يدعون الاتصال بالغيب والاستمداد من السماء، وأن بينهم وبين الله نسبا، أو بينهم وبين الجن صلة، وأنهم يستطيعون بذلك أن يقربوا إلى الله من يشاءون، ويحرموا من الجنة من يشاءون، أو أنهم يستطيعون أن يسيطووا على قوانين الطبيعة في هذا الكون بسحرهم وتعاويذهم وتعزيمهم وما إلى ذلك، كل هؤلاء وأمثالهم لما فقدوا السلطة الطاهرة والقوة الدنيوية، لجئوا بمكرهم وحيلهم إلى ادعاء سلطة خفية يستمدون منها سلطانهم، ويبسطونها على السذج والبله، وكان من سوء الحظ وضعف العقل أن قبلت دعوتهم، وتألهوا هم الأخرون، وعبدهم أتباعهم، فكان في الدنيا مملكتان: مملكة السلطنة المادية: ومملكة السلطنة الغيبية، والناس موزعون في العبادة بين هؤلاء وهؤلاء، وكل هذا حرب على الإسلام في جوهر تعاليمه وهو الذي ينادى دائما، ويجعل شعاره دائما، أن لا إله إلا الله، وآن كل تأله بالطل، وأن كل عبادة لغير الله باطلة، ولكن كم من المسلمين في العصور المختلفة استطاعوا أن يحتفظوا بهذه الوحدانية خالصة لم يشبها شييء من عبادة وتأله.
ومن الأسف أنه في كثير من عصور تاريخ المسلمين، تعاونت القوتان، الظاهرة والباطنة، والمادية والغيبية، على إفساد حال المسلمين، فتحالف الملوك الظلمة والسلاطين الغاشمة مع الدجالين من رجال الدين، والدجالين من المتصوفين، وأعملوا قوتهم ف إفساد عقيدة الوحدانية، وفى تعديد الألهة وعبادتها، واتخذوا لذلك وسائل لا تحصي، فالسلاطين الغاشمة تحيط مظاهرها بكل أنواع الجبروت والطغيان، ورجال الذين تضع لهم من الأحاديث مثل "السلطان ظل الله في أرضه" والخطباء والوعاظ يصرفون الناس عن المطالبة بحقوقهم بإفهامهم أن الفقر من الله والغنى من الله، وليس للجد ولا للعمل أى ذخل في الغنى والفقر، وأن ظلم الظالمين إنما هو انتقام من الله لسوء سيرة المسلمين، ونحو ذلك من تعاليم تفسد الروح، وتذل النفس، وتمكن التألهين من التأله، وتوجه الأذلة إلى عبادة المتأله، ولم يكن هذا من جوهر الإسلام في قليل، ولا كثير.