/ صفحه 145/
كما كان في العصر العباسى وبعده؛ وبلغ ذلك التأله أوجه في مثل جنكيزخان وتيمورلنگ واشباههما. إن نظرة الإسلام إلى الألوهية، والدعوة إلى إله واحد يتساوى أمامه الناس جميعاً. تقضى على كل فكرة من شأنها وجود طبقة يكون لها الشفاعة أو الوساطة بين الله وخلقه، ولكن ما لبث المسلمون أن عادوا إلى سيرتهم الجاهلية الأولى، فاتخذوا أصنافا من الناس شفعاء يستشفعون بهم عند الله ويتقربون بهم إلى الله، متأثرين بالديانات القديمة، أما الإسلام نفسه فيدعوا الى أنه لاحجاب بين أى عبد مهما ضعف وبين الله . وقد عاب على النصارى واليهود اتخاذهم أخبارهم ورهبانهم، أرباباً من دون الله.
ولعل السبب في ذلك، أنَّ هذه العتميدة الصحيحة، عقيدة الإيمان بالله وحدة، والخضوع له وحده، وعبادته وحده، تحتاج إلى رياضة شديدة في تصفية النفس من الشوائب، والنفوس القوية عادة تعشق التأله والا ستعلاء، والنفوس الضعيفة سرعان ما تستسلم، وهذا مشاهد في كل أمة، وفى كل جماعة، وفى كل عصر، من عهد أن قال فرعون: "أنا ربكم الأعلى" ومن قبله ومن بعده.
وهؤلاء الاقوياء يتخذون لتألهم أشكالا وألوانا من المظاهر. فمنهم من يتأله بجنوده وبنوده، وكثرة ماله ونحو ذلك. ومنهم كبار المستبدين في أمحهم مثل نابوليون، ومثل هتلر وستالين، ومنهم كبار أصحاب رؤوس الأموال في كل أمة، ونحو ذلك، كلهم يتألهون، وكل الناس حولهم تؤلهم، وإن لم يسِّم الأولون أنفسهم آلهة، وإن لم يسم الآخرون أعمالهم عبادة، ولكن العبرة بالحقيقة لا بالأسماء. والاسلام يكره هذا التأله بجميع أشكاله وألوانه، والمسلمون ـ مع الأسف ـ في كل عصورهم ما عدا الفترة الأولى لم يخل سلوكهم من تأله من جانب القوة، وعبادة وخضوع من جانب الضعف.
هذه ناحية من نواحى التأله والعبودية، يصح أن نسميها ناحية سافرة، وهناك ناحية أخرى من التأله والعبودية يصح أن نسميها مُحجبة؛ ذلك أن هناك قوماً لم يكن لهم من قوة السلطان، وكثرة المال والجنود والعصيبة، ما يمكنهم.