/ صفحه 147/
ولو نحن نظرنا نظرة شاملة، لرأينا أن أكثر شرور العالم في الشروق والغرب، وفساد حال الأمم يرجع إلى هذا التأله من جانب، والعبادة والضعف من جانب آخر. فالعلاقات بين الأمم والحروب المتتابعة إنما يبعثها في الغالب حب ال ستعلاء أو بعبارة أخرى التأله ومحاولة الدولة القوية أن تسيطر على العالم لتكون إلته، وليكون غيرها عبادا أذلة، وكان كل هذا يزول لواعتنق الجيمع أن لا إله إلا الله.
وبعد فهذا أصل من أصول السلام، رأينا كيف انحرف المسلمون عنه، فساء حالهم، وانحط شأنهم. ولعلنا نتبع ذلك ببيان بعض الأصول السلامية الأخرى، ونبين كيف عطلت وأهملت، والله الموفق؟
رسالة الإسلام.
ترحب المجلة بما وعد به الأستاذ الكبير من بحوث في هذا اصدد، فإن أمر المسلمين لا يصلح إلا إذا فهموا دينهم حق الفهم، وكانوا على بصيرة من أصوله وقواعده، وما كلفهم الله إياه.
وقد اشتبه على كثير من المسلمين في هذا العصر أمر الدين فحسبوه بعيد عن معترك الحياة العملية، قاصرا عن الأخذ بأيدى أهله إلى الصراط السوى في السياسة والحكم والاقتصاد والقوة وسائر ما تصلح عليه الأمم، ولذلك نراهم ينادون بالفصل بين الدين والدولة، ويعتبرون هذا الفصل أساسا من أسس الإصلاح: ويزعمونه أمرا مقررا مسلّما به عند أهل لتفكير التقدمى الحديث لا ينازع فيه إلا الذين يفكرون بعقول قديمة "رجعية".
ولا شك أن الجهل بالا سلام، والنظر إلى حالة المسلمين في ضعفهم وتأخرهم، والرذغبة في تقليد المباديء الغربية في نظم الحكم والسياسة، هى السر في ذلك الاشتباه، وهذا التهجم.
فإذا تضافرت قوى المفكرين المخلصين من أهل العلم والأدب، وذوى الأقلام السيالة ـ من مثال الأستاذ الكبير أحمد أمين بك ـ على بيان أصول الإسلام، ومقارنتا بما يفعله المسلمون، فان القضية تتغير يومئذ، فلا تكون دعوة إلى هجر الإسلام، ولكن دعوة إلى هجر ما عليه المسلمون مما ينافى الإسلام؟