/ صفحه 13/
والذي أراه أن القرآن لم يجعل الاتصاف بهذه الأوصاف عنواناً على العصمة من الذنوب أو المخالفة في لون ما من ألوانها، والحكم في هذا هو الآيات الواردة في سورة آل عمران وهي قوله تعالى:"و سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون؛ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين".
فقد جعل مما تتناوله كلمة (المتقين) "الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم" فسوَّى بين هؤلاء وبين من كملت فيهم أوصاف الإيمان من جهتين: من جهة اندراجهما معاً في المتقين، ومن جهة الجزاء المعد لهم "أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العالمين".
نعم بقي فريق ثالث، هو الذي يزعم لنفسه أنه مصدق بالله وباليوم الآخر، وهو يفعل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا يذكر الله فيستغفر لذنبه. بل يستمر طول حياته غافلا عن ربه غير ذاكر لعظمته، اللهم إلا تلك الكلمة التي يجريها على لسانه، ليعلن بها تصديقه وإيمانه دون أن يكون لهذا الايمان وذلك التصديق ما يدل على انطباغه نفي النفس، وتمكنه من القلب، وهذا في رأينا ليس من فريق المتقين المؤمنين، وليست هناك منزلة بين الذين سعدوا والذين شقوا، وفريقي الجنة والسعير.
الطائفة الثالثة:
وقد رأينا القرآن الكريم يتحدث في المدني خاصة عن طائفة ثالثه أطلق عليها اسم "المنافقين" وهم الذين فسد باطنه كالكافرين، ولكنهم ظهروا بين المسلمين كالمسلمين: قالوا كلمة التوحيد كما يقولون، وصلوا كما يصلون، وظنوا أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين.