/ صفحه 12/
وهكذا يبين الله في كثير من آيات القرآن أوصاف هذه الطائفة التي لا ينتظر منها الإيمان بالقرآن، ولا يرجى لها أن تنتفع بشيء من هدى القرآن، وقد جرت سنة القرآن في التعبير عن هذه الطائفة بالكافرين، والفاسقين، والخاسرين، والضالين، والمجرمين، وقد كانت هذه الأوصاف التي اكتسبوها لأنفسهم بمحض اختيارهم، وبحكم اندفاعهم في أهواء البيئات الفاسدة، وقصر عقولهم على مُحَسَّاتهم أساساً لهذا المصير الذي صورته تلك الآيات، وصورت فيه انسداد مسالك الفهم والإدراك بالختم على القلوب. وبالأكنة فيها القلوب، وبالأغلال في الأعناق، وبالإقماح، وبالسد من بين أيديهم ومن خلفهم، وغير ذلك من كل ما يصور انزلاقهم وبعدهم عن الحق، اضطرابهم الذي جنوه على أنفسهم . وما أدق وما أروع تعبيره عنهم بقوله: "الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون".
هاتان طائفتان: طائفة المتقين الذين سلمت قلوبهم من مفسدات الإدراك والعلم والنظر وطائفة الكافرين الذين سدت عليهم نافذ الخير وسبل الهداية، وأعلنوا الكفر والعناد.
وهاتان الطائفتان كثيراً ما تحدث القرآن عنهما في مكيه ومدينه، فإن الدعوة لم تخل مرحلة من مراحلها عن مؤمن بها، مصدق لها، وعن كافر بها، جاحد لآياتها.
ويرى بعض الناظرين في القرآن أن الله يتحدث في هذه الآيات عن الطرفين الكاملين من الفريقين، فهو حين يصف المؤمنين بهذه الأوصاف يريد أرباب الايمان الكامل الذين لم يلبسوا إيمانهم بشيء ما من المخالفات والعصيان، كما أنه حين يتحدث عن الكافرين يريد الذين فسدت فطرتهم تماما فلم يعرفوا الخير في صورة ما من صوره، وأن هذا لا ينافي أن من المؤمنين فريقاً لم تكمل فيه تلك الصفات، وهم يتراوحون في درجات الايمان المتفاوتة، وهؤلاء ليسوا من الذين يقول الله فيهم: "أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" فإن ذلك خاص بالكاملين.