/ صفحه 127/
وفى هذا تقليم لأظافر الشر، واقتلاع لبذور الفساد التي دلت تواريخ الأمم على أنها شر ما يعمل في هدم الأمم وأنظمتها وأخلاقها.
وبذلك تم الكلام في بر العمل.
أما البر في الخلق فقد ذكرته الآية في مبدأين: مبدأ القيام بالواجب. وقد عبرت عنه الآية بقولها: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا" ومبدأ مقاومة الطوارىء والتغلب على عقبات الحياة، وقد عبرت عنه الآية بقولها: "و الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس" والعهد لفظ شامل يجمع ألوانا من الارتباطات والالتزامات لا غنى للناس عنها، ولا استقامة للحياة بدونها، وهى على كثرتها ترجع إلى عهد بين العبد وربه، أو عهد بين الإنسان والانسان، أو عهد بين الدولة والدولة، وعهود الله مع عباده كثيرة. منها العام، ومنها الخاص: "ألم أعهد اليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان" وإذ أخذ الله9 ميثاق النبين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصر نه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم اصْرِى قالوا أقررنا قال فاشهداو وأنا معكم من الشاهدين". وحظ الناس اليوم من هذا العهد، هو ترابط المصلحين وتكافلهم على مبدأ الخير والإصلاح، وألا يهدم بعضهم بعضا، ولا يضرب بعضهم في نحور بعض، وأن يؤيد الاحق منهم السابق، ويمهد السابق منهم للاحق، وليس من الوفاء لهذا الهدى أن يكون كل مصلحِ أمةً في نفسه، وحزبا برأسه، فإن ذلك مفسدة للرأي، ومضيعة للخير، وتخذيل عن الهدى والرشاد.
أما عهود العباد بعضهم مع بعض فهى تتمثل فيما يحدث بينهم من عقد والتزامات مالية أو غير مالية، وكذلك فيما يحدث بين الأمة والأمة في تحديد الحقوق والتزامات، وكلها يجب الوفاء بها مالم تكن في معصية الله بتضييع حق أو إلحاق أذى بالفرد أو الأمة، وقد عنى القرآن بالحث على الوفاء بالعهد، وشبَّه ناقض العهد بالمرأة الخرفاء "التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا". وطلب أن تكون العهود قائمة على الصراحة والوضوح، لا على الغش والخداع، واصطناع