/ صفحه 128 /
الاحتيال "و لا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله". وألا يستغل فيما قوة أو ضعف "أن تكون أمة هى أربى من أمة" اى أكثر منها عددا أوعدة. هكذا يضع القرآن أصول العهود والمواثيق العادلة، ويجعل الوفاء بها من البر الذي يسمو بالانسان في دنياه، ويسعده في أخراه.
أما مبدأ المقاومة فقد ذكرته الآية كما قلنا بقولها: "و الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس" والصبر عدةَّ النجاح في الحياة ومصدر جميع الفضائل والإنسانية، والسبيل الوحيد للتغلب على جميع الصعاب؛ وليس الصبر هو الخضوع من غير مقاومة ولا عمل، وإنما الصبر جهاد ومحاولة، مع الاحتفاظ برباطة الجأش والنقة بحسن العاقبة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حالات ثلاثا هى أبرز ما يظهر فيه هلع الهالعين، وجزع الجازعين: البأساء، والضراء، وحين البأس، فالبأساء من البؤس وهو الشدة والفقر، والضراء ما يضر الإنسان من مرض أو فقد محبوب: مال أو أهل أو ولد، والبأس اشتداد الحرب. وقد عنى القرآن بالحث على الصبر في المواطن كلها، وقرنه بالصلاة وجعلهما مستعان المرء في المهمات والشدائد، وملجأه عند النوازل "و استعينوا بالصبر والصلاة". وجاء في كلام الرسول أن الصبر نصف الإيمان، وقد أنبأنا الله أنه مع الصابرين.
هذه عناصر البر في العقيدة والعمل والخلق، وهى دستور قوى متين ترقى به الأمم إلى أوج العزة والكرامة، وتنأى به عن الشرور ومفسدا الأمن والطمأنينة، ومنغصات السعادة والهناءة، وحسبنا في ذلك: أن الآية بعد ذكر هذه العناصر، قد حَصَرت الصدق والتقوى، في أصحابها المؤمنين بها، العاملين عليها، المحققين لثمارها: "أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون" صدقوا في إيمانهم، صدقوا في أعمالهم، صدقوا في أخلاقهم، وهم الذين يصدق عليهم أنهم هم المتقون على الاطلاق، الذين يعملون لك ما يصلحهم ويصلح الناس، وينجنبون كل ما يصرهم ويضر الناس، هدانا الله إلى سواء السبيل.؟