/ صفحه 125/
أما البر في العمل؛ فله شعب كثيرة ترجع كلها مهما تنوعت إلى بذل النفس والمال ابتغاء مرضاة الله، وهناءة خلق الله، والعمل هو مدد العقيدة، وفى نفس الوقت هو ثمرتها يحفظها وينميها ويدل عليها، وقد ذكرت الآية بذل النفس في أعظم مظهر من مظاهر بذل النفس، ذلك هو إقامة الصلاة. الصلاة هى عماد الدين الصلاة هى الفارق بين المؤمن وغير المؤمن، الصلاة هى مناجاة العبد لربه، الصلاة هى الناهية عن الفحشاء والمنكر، الصلاة هى العاصمة من الهلع والجزع؛يقف المرء بين يدى ربه، وقد خلع نفسه من كل شيء في دنياء، فلا مال ولا جاه ولا ولد ولا طعام ولا شراب ولا كلام، ولكن تسليم لله، أوَّله: "الله اكبر" هو الذي تخضع له الرقاب، وتطمئن إليه القلوب، وتبذل في سبيل مرضاته المهج والنفوس، فهى عهد بين العبد وربه على بذل النفس والتضحية بها في كل موطن بجيث لا يفقده في موضع يطلبه، ولا يراه حيث ينهاه، أما الصلاة التي تجردت من هذه الروح، وخلت إلا من الحركات والكلمات، فليستهى عنوان البذل والتضحية، وليست هى من البر في شيء، بل إنها وبال على صاحبها ومردودة عليه "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون" وليس السهو في الصلاة هو نسيانها، وإنما هو الغفلة عما توحى به من المعانى الفاضلة وأعمال البر والتقوي.
وذكرت الآية بعد ذلك بذل المال في صورتين، إحداهما قوله تعالى: "و آتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب" والأخرى قوله تعالى: " وآتى الزكاة" ويجب أن يفهم هنا بمقتضى هذا الوضع القرآنى الكريم أن الزكاة شيء، وأن إيتاء المال على حبه هؤلاء الأ صناف شيء آخر لا يندرج في الزكاة ولا تغنى عنه الزكاة.
فهؤلاء الأغنياء والقادرون الذين يكتفون بالزكاة، ولا يمدون يد المساعدة لسد حاجة المحتاجين، ودفع ضرورة المضطرين، والقيام بمصالح المسلمين؛ ليسوا على البر الذي يريده الله من عباده.