/ صفحه 124/
ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً؟! قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقاً مما يكبر في صدوركم،فسيقولون من يعيدنا، قل الذي فطركم أول مرة، فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون: متى هو، قل عسى أن يكون قريبا، يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده، وتظنون إن لبثتم إلا قليلا".
الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر هما الإيمان بالمبدأ والمعاد، والإيمان بهما على الوجه الحق ـ وهما من الغيب المطلق ـ لا يمكن لعقل بشرى أن يصل إليه، مستقلا، ولا أن يعرف بنفسه مستلزماته من الواجبات والأحكام التشريعية، أن يُهْدَى من مصدر لا يحد علمه، ولا ترقى إليه الأهواء والنزعات؛ هو الله الذي لا يعزب عن علمه شىء في الأرض ولا في السماء وهو الحكيم الخبير.
إذن لابد من واسطة بين هذا المصدر وبين الخلق، هى طريق المعرفة لواجب الإيمان بالله واليوم الآخر: هذه الواسطة تتكون من ثلاثه عناصر: عنصر في الطرف الأعلى، له بحسب تكوينه وخلقه استعداد يمكنه من التلقى عن الله مباشرة، وهم الملائكة، والإيمان بهم أصل الايمان بالوحى فيلزم من إنكارهم إنكار الوحى وهو يستلزم إنكار النبوة وإنكار الدار الآخرة؛ وعنصر في الطرف القريب من الناس هو منهم بمقتضى بشريته، وله صلة بالملأ الأعلى بمقتضى روحانيته وهم الأنبياء، يتصلون بالملائكة الذين هم سفراء الله أو سفرته كما عبر القرآن، فيتلقون عنهم ما أمر الله به، ويتصلون بالخلق فيبلغونهم ما أمروا به من أحكم وتشريعات، والعنصر الثالث هو نفس الرسالة والوحي، وقد عبر عنهما في الآية بالكتاب، والتعبير بالكتاب دون الكتب إشارة إلى وحدة الدين عند الله، وأن الايمان بكتاب ما من الكتب السماوية إيمان بالكل.
هذه هى العناصر الثلاثة للسفارة الالهية: طرفان ووسط، لابد من الايمان بها ولا يتحقق البر مع إنكار شيء منها، كالايمان بالله واليوم الآخر، وبهذا تمت الأمور الخمسة التي هى البر في العقيدة "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين".