/ صفحه 122/
ومن هذا يتبين أن "البر" بالنسبة للعبد هو جماع الخير الذي يشمل المعانى النفسية، والأخلاق الحسنة، وما ينشأ عنهما من أعمال صالحة طيبة يتقرب بها العبد إلى ربه، وأما بالنسبة إلى الله فهو الثواب ولرضا والمحبة الإلهية.
وقد كان العرب يفهمون معنى البر على هذا لوجه، ويدركون أن كل عمل صالح، أو نية طيبة، أو خلق مرضى، شعبة من شعب البر، غير أنهم كانوا يخطئون التطبيق أحيانا، إما لاشتباه في شيء، هل هو من البر أو من الإثم ؟ كما اشتبه السائل الذي جاء يسأل النبى صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، فقال له: "استفت قلبك. البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك".
قد يسأل إنسان فقيها من الفقهاء عما يخرجه من زكاة أمواله، أو عما صدر منه من تطليق زوجته، أو عما قضى له به قاض من مال خصمه، أو عما افتدت به زوجته من مال الخلع وقد ضارّها وأساء إليها وألجاًها إلى هذا الافتداء، يسأل عن هذا ونحوه فيسمع من المفتى أن شرط الزكاة أن يحول الحول والمال ملكه، فاذا وهبه ولو لحظة لأحد من الناس ثم استرده؛ لم يتم شرط الحول، فلا تجب الزكاة، وأن هذا الطلاق قد صدر على امرأة لم يعقد عليها ولى شرعي، فلم تثبت زوجيتها حتى يقع عليها الطلاق، وأن القاضى قد حكم فللمحكوم له أن يستحل المال، وأن مال الخلع حق مشروع للزوج لا جناح عليه أن يتمتع به، وهنا يقع السائل بين وحى الضمير، وفتوى المفتي: بين الحقيقة يمسها من نفسه، وبين الظاهر الذي حكم له بمقتضاه، فالرسول يرشده إلى ترجيح حكم الضمير والوجدان وإن أفتاه المفتون.
وقد يخطئون التطبيق لهوى في النفس، وتمسك بالتقاليد والعصبيات، كالمشركن الذين كانوا يرون إتيان البيوت من ظهورها حال الإحرام بالحج برا يرضى الله، ونسكا يتقرب به إليه، أو كهولاء الذين أفاضوا في حديث القبلة عند الأمر بالتحول إلى الكعبة حتى شغلهم عن كل ما سواه من المعانى الفاضلة،