/ صفحه 119/
عقبيه" وقوله تعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنو لينك قبلة ترضاها فول وجهل شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فوالوا وجوهكم شطره".
اتجه المسلمون إلى الكعبة كما أمرهم الله، وكان ذلك مثارا لثورة فكرية جدلية في أحضان النبوة، وفى أوائل عهدهم با المدينة. وشغلت بذلك جميع الطوائف من مسلمين وأهل كتاب حتى كادوا ينصرفون بها عن إدراك الحق الذي يريده الله، وعن طريق البر الواضح الذي رسمه الله، والذي يجب أن تنصرف إليه الأنظار وتتوجه إليه القلوب
جاءت هذه الآية تنبه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه إلى أن ثورة هؤلاء في هذا الشأن ليست ثورة طلاب الحق، وإنما هى ثورة العناد والمكابرة، وتلمس معاذير الإعراض والنفور "و إن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون، ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل اية ما تبعوا قبلتك، وما أنت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض. ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين".
جاءت تلك الآيات التي تلوناها تكشف لمحمد وأصحابه عن نوايا هؤلاء، والدوافع النفسية التي دعتهم إلى هذا الموقف من مسألة القبلة، كما جاءت أية البر تعين لجميع الطوائف أن موقف المتحدثين في هذا الشأن ليس مما يتفق مع حقيقة البر الذي يجب أن تمتليء بها القلوب الصافية، وأن قول من قال: لو كان محمد على حق لما اتجه يوما إلى بيت المقدس ويوما إلى المسجد الحرام، وقول من قال: قد رجع محمد إلى قبلة العرب وسير جع إلى دينهم؛ كلاههما بعيد عن الجادة لم يقصد به إلا تلبيس الحق بالباطل، وإطفاء ذلك النور الذي جاء به محمد، وأخذت القلوب تتففتح له، والعيون ترنو إليه.
هذا هو أحد الجانبين اللذين تصورهما سورة البقرة، فيما قبل هذه الآية: آية البر وتصور لنا حبّات الجانب الآخر بعد هذه الآية ما يجب على المؤمنين