/ صفحه 94 /
الأمة الإسلامية عن فقهها إلى ما سواه، ذلك أن كثيراً من الشباب يخرجون على هذا التراث الفكري عامة، ويجنبون أنفسهم مشقاته وأهواله، ويبتعدون عن أخطاره ومزالقه ومغبة البحث فيه حذراً أن يضلوا في مجاهله، أو يصيبهم رشاش من التكفير أو التفسيق، فنراهم يتجاوزون هذه الثقافات الفكرية الإسلامية، غير مميزين بين غثها وسمينها إلى غذاء علمي آخر لأرواحهم وعقولهم في المعارف الفكرية الأجنبية، يتلقفونها من علماء الغرب ومفكريه ومستشرقيه والمأخوذين به، ويعتقدونها هي العلم الصحيح، والغذاء المفيد، والآراء الصالحة للحياة.
ولقد رأينا هذه النزعة الخطيرة تستولي على شبابنا وكثير من مفكرينا، وتتغلغل في أعماق نفوسهم، وتسيطر على أفكارهم وعقولهم، وتعمل عملها دون أن يشعروا أو تشعر الأمة بما لها من إيحاءات خفية، وضرر يسري كالسم الزعاف في آناة ومثابرة حتى يُهلك أو يقارب، ومن شأن هؤلاء أن يهون عليهم تاريخهم، وتصغر في أعينهم ثقافتهم، بل أن يصبح دينهم غير عزيز عليهم، ولا أثير لديهم، وربما مقتوه، وفروا منه، وتباهوا بأنهم علَوْا عنه، وارتفعوا بأنفسهم عن مستواه.
هذه بعض أخطار التفرق الذي مني به المسلمون، أضعفتهم وأطمعت فيهم أعداءهم، بل سلطت عليهم هؤلاء الأعداء يسومونهم الخسف والذل وسوء العذاب وهونت من شأن ثقافاتهم ودينهم، وجعلت العزة والسلطان لغيرهم، وإنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
من الممكن أن تتلافى هذه الأخطار، وأن يجنب المسلمون شرها وضررها إذا تعاونت القلوب وتآزرت الجهود، ونُسيت العصبيات، ورجعنا جميعاً إلى الحق ننشده مخلصين.
إن حوالي أربعمائة مليون من المسلمين منبثين في بلاد الله شرقاً وغرباً، لم يؤتوا من قلة، ولم يؤتوا من فقر في عقولهم، أو في بلادهم، أو في استعدادهم، أو في ثرواتهم الطبيعية، ولقد شهد التاريخ كيف كانوا أقل من ذلك عدداً، وأقل