/ صفحه 93 /
الإيمان بها، والتي يعد الخروج عنها خروجاً عن الدين. ومن الممكن ـ إذا وجدت هذه الفرق من يقرب بينها، ويدرس أسباب خلافاتها ـ أن تعرض هذه الخلافات عرضاً هادئاً، دون تأثيرات خارجية ولا تعصبية، فيتبين الحق فيها، ويزول كثير من أسباب الجفوة والقطيعة بين أرباب الدين الواحد، والنبي الواحد والكتاب الواحد.
من الممكن أن يتقارب المسلمون فيعلموا أن هناك فرْقاً بين العقيدة التي يجب الإيمان بها، وبين المعارف الفكرية التي تختلف فيها الآراء دون أ ن تمس العقيدة، ويؤمئذ يهون الأمر،فنجمع على ما نجمع عليه، وإذا اختلفنا لم يكن خلافنا إلا كما يختلف أهل المذاهب الفقهية دون خصام ولا إتهام، ودون توجس واسترابة وسوء ظن، مما يجعلنا متقاطعين في معاملاتنا، ومصاهراتنا، وثقافاتنا.
يومئذ يعود المسلمون كما كانوا أمة واحدة، دينها الإسلام، وكتابها القرآن، ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام، تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر، وتتقبل الكلام فيما وراء ذلك على أنه آراء يدلي كل بما يراه منها، دون أن تسئ إلى وحدة المسلمين، أو تكون عاملاً من عوامل فرقتهم وضعفهم.
كان هذا ممكناً، وما زال ممكناً، ولا سيما بعد أن اتسع نطاق العقول، وانتشر لواء العلم خفاقا، وأحس المسلمون بضرر ما هم عليه من التفرق والتطاحن. وبأن هذه الخلافات قد احتسبت خلافات متصلة بأصل الدين وأساس العقيدة، واتخذت لذلك علامة عند أعداء الإسلام على أن هذا الدين لا يستطيع النهوض بأمة تريد أن تنهض وأن تتخذ لها مكانة بين الأمم.
لقد كان من نتائج هذا الاضطراب في الأفكار والمعارف الدينية، وتكفير كل طائفة للأخرى أو اعتدادها بآرائها على أنها هي الحق وما سواها هو الباطل، وأن من خرج على هذه الآراء، فقد خرج على شئ مقدس ومرق أو تزندق أو تطرف. كان من آثار ذلك مثل ما كان من آثار الركود الفقهي حين خرجت