/ صفحه 95/
من ذلك مالا وثروة وخصباً، ومع ذلك سادوا وشادوا، ولفتوا إلى علومهم وأفكارهم ومدنيتهم أهل الزمان !
فالمسألة إذن إنما ترجع إلى هذا التفرق والتقاطع، إلى هذا الفقر الطارئ على النفوس والهمم والعزائم، وقد تنبه إلى ذلك كثير من أهل العلم والفكر من المسلمين في عهود مختلفة، وكانت صيحاتهم تنبعث في الحين بعد الحين، عالية طوراً وطوراً خافتة، ينادون أمتهم أن تنبهي إلى هذا المرض الخطير، وإلا قضى عليك القضاء الأخير.
ولكن هذا كله ـ مع شديد الأسف ـ لم يتجاوز حدود الأمل الذي يساور النفوس. أو القول الذي تجري به الألسنة والشفاه، ولم تتخذ خطوات عملية مثمرة لتنفيذه حتى كاد الناس ييأسون من شفاء هذه الأمة. ويتوجسون أن يدركها بسبب هذا الداء الوبيل موت نهائي بعد أن ألحت عليها العلة حتى أضعفتها وبرتها !
ولكن الله ـ جلت حكمته ـ أرحم من أن يترك الأمة المحمدية لهذا المصير الفاجع، وهي خير أمة أخرجت للناس، نعم إنها أساءت إلى نفسها، وخرجت عن دائرة دينها، وغيرت وبدلت وأعرضت، إلا أنها ما تزال أمة القرآن، وأمة خير الأنبياء (عليهم السلام)، وإن القرآن الذي أنقذ المسلمين وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، وجمع بينهم، والف بين قلوبهم، وقد كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها، وجعلهم سادة العالم وقادته، لهو جدير بأن ينقذهم مرة أخرى، وبأن يرفعهم من وهدة خلافهم وتطاحنهم، وقد أنبأنا الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام بأنه ما تزال طائفة أو طوائف من أمته على الحق لا يضرهم من خرج عنهم إلى يوم القيامة، وأن الله يبعث في الحين بعد الحين إلى هذه الأمة من يجددها ويسددها ويهديها بفضله إلى سواء السبيل.
لعلنا نلمح نور هذا الفجر المنتظر يشع على العالم الاسلامي، لعلنا ننتظر هذا التجديد الموعود به في هذا العصر الذي تنبه فيه الغافلون، واستيقظ النائمون،