/ صفحه 92 /
روح النهضة والتجدد، وابتدأنا نلتفت اليه، ونستعز به، وننادي بأنه فكرتنا ومنهاجنا في الحياة.
هكذا كان شأن الفقه، فماذا كان شأننا في غير هذه الدائرة ؟ ماذا كان شأننا في المعارف الفكرية والقضايا التي أثارها الخلاف الطائفي والكلامي ؟
لقد بكرت هذه الخلافات على المسلمين منذ أول الأمر كما قلنا، وكانت عنيفة حادة، وكانت في نفس الوقت متلونة بألوان مختلفة تبعاً لما كان يمدها من السياسة والأهواء، ولما كان يغذيها من الثقافات المختلفة، وظلت هكذا تتزايد وتقوى وتتسع آفاقها، ويتفاقم شرها، حتى أصبح المسلمون فرقا شتى وطوائف مبعثرة، بل أصبحت الأمة الواحدة متشعبة إلى فرق، والفرقة الواحدة متشعبة إلى شعب، وكلهم متقاطعون متدابرون، ينظر بعضهم إلى بعض كأنهم أرباب أديان مختلفة، فلا تعاون ولا تزاوج ولا تبادل للأفكار، كل طائفة عاكفة على ما عندها، متعصبة له، نافرة عما سواه تعتقد أنها على الحق، وأن سواها على الباطل، وإذا تقاربت منها طائفتان أو أكثر في بلاد واحدة احتك بعضها ببعض وهاج بعضها على بعض، وكثيراً ما افضى ذلك إلى سفك الدماء، وتخريب البيوت، وعداوات الأسر والطوائف مما نشهده بأعيننا، ونسمعه بآذاننا في الحين بعد الحين.
وساعد على ذلك المستعمرون الذين يهمهم أ ن تتقطع أسباب المودة، وعوامل الائتلاف بين المسلمين ليسودوا عليهم في بلادهم، وليكونوا هم قبلة المختلفين، والحكم الأعلى بين المتنازعين، وهكذا طاوع المسلمون هذه الأساليب الاستعمارية الماكرة، فزادوا من حدة الخلاف بينهم، وتراموا بالكفر والفسوق والزندقة والخروج على الدين، وأمثال تلك الاتهامات الطائشة التي أرثت بينهم العداوة والبغضاء، وزرعت في قلوبهم الحقد والضغينة وسوء الظن، وبذلك ساعدوا على أنفسهم، ومكنوا لأعدائهم من رقابهم وأوصالهم.
حدث هذا كله، وما زال يحدث، مع أن هذه الخلافات عند كثير من طوائف المسلمين وفرقهم لا ترجع إلى أصول الدين، ولا تمس العقائد التي أوجب الله