/ صفحه 91 /
هناك من يمنع أو ما يمنع من دراسة غيرها من مذاهب المسلمين إذا تهيأت له أسباب هذه الدراسة، وإن كلية الشريعة لتدرس في العهد الحاضر إلى جانب الدراسات المذهبية دراسات فقهية مقارنة لا تتقيد فيها بالمذاهب الاربعة، ومما يبشر بالخير أن الأساتذة والطلاب يتلقّون هذه الدراسات المقارنة باقبال وشغف، وبروح من السماحة، ورفض العصبية المذهبية غير ناظرين إلا إلى الدليل ولا باحثين إلا عن الحق.
إذن قد انتهت هذه المشكلة أو كادت، ولم يعد لها خطرها، ولا ضررها، ولعلنا نشهد في القريب العاجل إن شاء الله مذاهب إسلامية أخرى يدرس فقهها في الأزهر كما يدرس فقه المذاهب الاربعة، ويومئذ يحق لنا أن نستوفي جهات الفخر برجوع الفقه الإسلامي إلى مجده الأول يوم كانت الآراء المحتكة، والحجج المتقابلة، والأدلة، ووجهات النظر هي مادته وغذاءه، وعمدته في التنوير الفكرى والوصول إلى الحق، لا قول فلان ولا رأي فلان.
إننا لنستبشر خيراً بهذا، وقد قارنه في نفس العهد احساس المسلمين بأنه لا ينبغي أن يحكموا بغير شريعتهم، وتلك هي الصيحات ترتفع عالية من كل جانب ينادي بها المشتغلون بالفقه الإسلامي والمشتغلون بغيره من رجال القانون والقضاء والتشريع أن عودوا إلى فقهكم فإنه عنوان مجدكم وعزكم، وقد أعترف بقيمة هذا الفقه وعظيم صلاحيته مؤتمر دولي عقد في مدينة لاهالي سنة 1937 م. حضرة ممثلون للأزهر الشريف والحكومة المصرية، وما كان هذا كله ـ علم الله ـ إلا لأننا نبذنا التعصب فتجلى لنا ما في شريعتنا وفقهنا من روعة وجلال، ومن قدرة على مسايرة أرقى أنواع الحضارات والمدنيات. هذا هو تاريخ الخلاف في الفقه والتشريع بدأ خلافاً علمياً مهذباً، فكان بركة وفتحاً مبيناً، ثم تطور إلى عصبية مذهبية عمياء، فكان جموداً وركوداً، وكان سبباً في انسلاخ كثير من الشعوب الإسلامية من تشريعها، ثم أخذ يعود إلى هدوئه وسنته الأولى، فاستروحنا منه