/ صفحه 90 /
وانقسام الأمة الإسلامية إلى دويلات صغيرة لا تربطها رابطة، ولا تجمعها جامعة، ومن شأن الضعف السياسي ـ إذا أصيبت به أمة ـ أن يخيل إلى أبنائها أنهم أقل من سواهم قوة، وعلما، وتفكيراً، وأن تركد معه ريح العلم ويفتر نشاط العلماء.
بهذا وبغيره تأثر أكثر المشتغلين بالفقه، فحكموا على أنفسهم وعلى جميع أهل العلم في زمانهم بأنهم ليسوا أهلا للنظر والاستنباط، ولا لفهم كتاب الله وسنة رسوله، ومن ثم حكموا بإغلاق باب الاجتهاد، وترتب على ذلك أن وقف الفقه وجمد، وأن تعصب كل منهم لرأي إمام وزعم أنه الحق، وأن ما سواه باطل، واسرفوا في ذلك إسرافاً بعيداً حتى كان منهم من لا يصلي وراء إمام يخالفه في مذهبه ومن لا يزوج ابنته لفلان، أو يتردد في أكل ذبيحة فلان، أو في قبول قضاء فلان، لمجرد أنه يخالفه في المذهب، ثم حصروا الأئمة الذين أوجبوا اتباعهم في عدد معين، وهكذا ضاق أفق الأتباع والاشياع عما اتسع له أفق المتبوعين، وضاقت بهم دائرة الفقه الاسلامي، وركدت ريحه، وصوَّح نباته، وقلت ثمراته، وكان من آثار ذلك أن خرج كثير من البلاد الإسلامية عن هذا الفقة عامة، والتمسوا فقهاً آخر في هذه القوانين الوضعية يحكمون به، ويجعلونه نظامهم في القضاء والتشريع والمعاملات، التمسوا فقهاً لم يتقيد بهذه القيود الطارئة، ولم يحد بهذه الحدود المصنوعة، ومن ثم رأينا القذى في العيون، والشجى في الحلوق حين رأينا أمم الإسلام تحكم في بلادها بغير فقه الإسلام ومنهاج الإسلام.
ولكنا قد استطعنا في عهدنا الحاضر ـ ونرجو أن يكون ذلك أولى الخطأ في سبيل العودة إلى مجدنا الفقهي التشريعي ـ استطعنا أن نتخلص إلى حد بعيد من آثار هذه العصبيات التي تنكرها الشريعة، ولا يعرفها الأئمة المجتهدون أنفسهم وأن يسير بعضنا مع بعض على وفاق، فلم نعد نسمع خلاف يؤدي إلى تضارب أو تقاذف أو تراشق بالتهم بين حنفي وشافعي مثلاً، وها هو ذا الأزهر الشريف أكبر جامعة إسلامية يدرس فيه فقه المذاهب الإسلامية الاربعة، ونرجو ألا يكون