/ صفحه 438/
بالألفاظ في ميدان الحجاج والجدال للتشنيع على الخصوم، يفسر أحدهم الظلم بتفسير، ويحكم على فعل من الافعال بأنه ظلم، ويقول لصاحبه أنت تنسب هذا العمل لله فأنت إذاً تنسب إليه الظلم، ولو كان منصفا لعلم أن صاحبه لا يقول بذلك، وينظر إلى الفعل نفسه نظرة أخرى فلا يراه ظلما، وإنما يراه عدلا، ولذلك ينسبه إلى الله، ولو رآه ظلما كما رآه صاحبه لما نسبه إلى الله، وحاشا أن يجرؤ مؤمن على نسبة الظلم إلى الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً.
وفي هذا المقام يقول الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده فيما نقله عنه الأستاذ الشيخ رشيد:
" وللعابثين بالكتاب وبعقائد الناس كلام في الاية ـ يريد قوله تعالى: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) ـ أقاموه على أساس مذاهبهم، فمن ذلك قول المعتزلة: انه يجوز الظلم على الله تعالى عقلا، لأنه لو لم يكن جائزاً لما تمدح بنفيه، ورد عليهم الآخرون بأنه تعالى نفى عن نفسه السِنة والنوم، وأنتم متفقون معنا على استحالة ذلك عليه، فردوا عليهم بأن نفي الظلم كلام في أفعاله، ونفي النوم كلام في صفاته، وفرق بينهما. وهذا كله من الجدل الباطل والهذيان، وإدخال الفلسفة في الدين بغير عقل ولا بيان، ومثله قول بعض المنتمين إلى السنة بجواز تخلف الوعيد ولا يعد ذلك ظلما، لأن الظلم لا يتصور منه تعالى، وبلغ بهم الجهل من تأييد هذا الرأي إلى تجويز الكذب على الله تعالى، وجعلوا هذا نصراً للسنة، والذي قذف بهؤلاء في هذه المهاوي هو الجدل والمراء لتأييد المذاهب التي تقلدوها، والتزام كل فريق تفنيد الآخر وإظهار خطئه لا طلب الحق أينما ظهر، ولهم مثل هذه الجهالات، الكثير البعيد عن كتاب الله ودينه كقول المعتزلة إن بعض الاشياء حسن لذاته وبعضها قبيح لذاته، ويجب على الله تعالى أن يفعل الأصلح من الأمرين الجائزين، وكقول بعض من لم يفهم مسألة أفعال العباد بما يدل على جواز العبث على الله تعالى، وكل هذا جهل. والذي يفهم من الاية ان هناك