/ صفحه 437/
يرجع إليه المختلفون، وليست مألة انتفاء الظلم عنه تعالى بالتي تحتاج إلى مسلك غير هذا المسلك، فقد جاءت النصوص بذلك واضحة لا لبس فيها: " إن الله لا يظلم الناس شيئا " " إن الله لا يظلم مثقال ذرة " " ولا يظلم ربك أحدا " " وما الله يريد ظلما للعالمين " " وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " " فما كان الله ليظلمهم " " ولا يظلمون فتيلا " " ولا يظلمون نقيرا ".
فهذه الآيات الواضحات تنفي عن الله سبحانه وتعلى أن يريد الظلم أو يظلم أحدا من العالمين، ولكن أهل الجدل اختلفوا في مسائل شغلوا بها أنفسهم، ونبز بعضهم بعضا بلوازمها، فمنهم من قال بجواز تعذيب الطائع، وإثابة العاصي، ومنهم من قال بامتناع ذلك، والأولون يعللون قولهم بأن الله مالك الملك، وخالق الخلق، والعبيد لا يستحقون عنده شيئا فلا يكون منعهم ظلما، والاخرون يقولون: إن إثابة المحسن وعقاب المسئ، أمر حسن في ذاته موافق للحكمة فهو واجب عليه تعالى، فيمنعون الخروج على ذلك فعلا، لأنه ظلم وقد نفى الله الظلم عن نفسه وإن أجازوه عقلاً، لأن لله لا يتمدح بنفيه إلا إذا جاز عليه.
فالجميع متفقون على تنزيه الله تعالى عن الظلم، بعضهم عقلا وشرعاً، وبعضهم شرعا وفعلا، وإنما اختلفوا في الظلم نفسه: هل هو التصرف في ملك الغير، أو هو مخالفة ما تقتضيه الحكمة ولو من المالك في مكله، ولن يستطيع أحد أن ينكر أن تصرف الله تعالى في الخلق والناس بالإيجاد والإعدام، والإسعاد والأشقاء، وغير ذلك تصرف في ملكه، لا يخالف في ذلك معتزلي أشعرياً، ولا إمامي سنيا، كما لا يستطيع أحد أن ينكر جميع أفعال الله، صادرة عن حكم، مجانية للهو والعبث، وإذن فالذي حمل على التقاذف والتهاتر، ليس هو اختلاف القوم فيما ينبغي لله من صفات الكمال، ولكن رغبة النبز واللمز عن طريق الإلزام، ولذلك ينفر سمعي، وينبو ذوقي، إذا سمعت قائلا يقول: إن جماعة من المسلمين قائلون بصدور الظلم منه تعالى، فإن ذلك مبناه على التلاعب