/ صفحه 435/
العينين، وقال بعضهم: هو رَبْعة، وقال آخرون: هو طوال، وكذلك اختلفوا في لونه أبيض أو أسود أو أسمر أو أحمر، فلا يجوز أن يقال: إن اختلافهم في صفته اختلاف في كونه سيدهم المستحق طاعتهم، فكذلك لا يكون اختلاف المسلمين في صفات الاله اختلافا في كونه خالقهم وسيدهم المستحق لطاعتهم وعبادتهم، وكذلك اختلف قوم في صفات أبيهم مع اتفاقهم على أنه أصلهم الذي خلقوا منه، ولا يكون اختلافهم في أوصافه اختلافا في كونه منشأهم الذي نشأوا عنه، وخلقوا منه " (1).
ويقول الإمام محمد عبده في " رسالة التوحيد ": "..... وأما الفكر في ذات الخالق فهو طلب للاكتناه من جهة، وهو ممتنع على العقل البشري لما علمت من انقطاع النسبة بين الوجودين، ولاستحالة التركيب في ذاته، وتطاول إلى ما لا تبلغه القوة البشرية من جهة أخرى، فهو عبث ومهلكة: عبث لأنه سعي إلى ما لا يدرك، ومهلكة لأنه يؤدي إلى الخبط في الاعتقاد، لأنه تحديد لما لا يجوز تحديده، وحصر لما لا يصح حصره.
ولا ريب أن هذا الحديث وما أتينا عليه من البيان، كما يأتي في الذات من حيث هي، يأتي فيها مع صفاتها، فالنهي واستحالة الوصول إلى الاكتناه شاملان لها، فيكفينا من العلم بها أن نعلم أنه متصف بها، وأما ما وراء ذلك فهو مما يستأثر هو بعلمه ولا يمكن لعقولنا أن تصل إليه، ولهذا لم يأت الكتاب العزيز وما سبقه من الكتب، إلا بتوجيه النظر إلى المصنوع لينفذ منه إلى معرفة وجود الصانع وصفاته الكمالية، أما كيفية الاتصاف، فليس من شأننا أن نبحث فيها.
فالذي يوجبه علينا الإيمان هو أن نعلم أنه اله موجود لا شبه الكائنات، أزلي أبدي حي عالم مريد قادر، متفرد في وجوب وجوده، وفي كمال صفاته، وفي صنع خلقه، وأنه متكلم سميع بصير، وما يتبع ذلك من الصفات التي جاء الشرع باطلاق أسمائها عليه.
*(هوامش)*
(1) 191 من الجزء المذكور