/ صفحه 388/
بغير عمل، لكانوا أحق بمحمد منا يوم القيامة، أيها الناس: إن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه... " وها هو ذا يستخلف صهيب بن سنان الرومي على الصلاة بالمسلمين، ويقدمه على السابقين الأولين من المهاجرين والانصار.
ولما اتسعت ارض الإسلام بنشر لوائه على بلاد الشام وبلاد فارس ومصر، ودخلت فيه قوميات جديدة، رأينا عمر رضي الله عنه لا يتعرض لكثير من التقاليد القومية في تلك البلاد ما دامت لا تتنافى مع قواعد الإسلام، واكتفى بالاشراف على ا لادارة والحرب والتوزيع المالي والقضاء، وترك لها كل شئونها الأخرى، ـ وهو ما يعبر عنه اليوم بالاستقلال الذاتي ـ وطبقت مبادئ الإسلام في تلك البلاد كما طبقت على العرب، وصرفت زكاتها وخراجها في مصالحها العامة، حتى أن سعد بن عمير عامل حمص، ليقول لعمر: (وهو يحاسبه) والله لو بقي لك درهم واحد لأتيتك به، بعد صالح المسلمين " !
أم أبناء هذه القوميات الجديدة فقد امتزج الإسلام بقلوبهم، ونسوا ـ إلى حد بعيد ـ قومياتهم، وتعاونوا مع العرب في نشر الإسلام خارج اقطارهم، على قدم المساواة مع العرب، لهم ما لهم من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، ثم تولى أبناء هذه القوميات بعد ذلك حماية الإسلام بالسيف والقلم.
واذا كان العرب قد سموا المسلمين من غيرهم (الموالي) فإنهم في جميع عصور القوة الروحية كانوا يقدرونهم، ويحترمونهم، ولم ينكروا فضلهم، وإذا قلنا: إن العرب قد جردوا سيوفهم، لحماية الإسلام والدفاع عن حرية العقيدة، فواجبنا أن نقول: إن الموالي قد جردوا سيوفهم، وشرعوا أقلامهم، وشحذوا أفكارهم لنشر الإسلام وحمايته، والدفاع عنه ضد الالحاد والفلسفات الاباحية، وعن هذا يحدثنا ابن عبد ربه عن ابن أبي ليلي بأن فقهاء الأمصار الإسلامية كلها في أوائل القرن الخامس الهجري كانوا جميعاً من الموالي، غير عربي أو عربيين في الكوفة ويقول لنا ياقوت الحموي: ان الفقه بعد العبادلة في جميع البلدان صار إلى الموالي