/ صفحه 389/
في أوائل القرن السابع الهجري، سوى عربي في المدينة هو سعيد بن المسيب (1).
وفي جميع عصور القوة الروحية، التي كان الإسلام وحده هو الموجة للحاكمين والمحكومين فيها على السواء، كانت القومية الإسلامية متميزة، وارفة الظلال فأظلت بتسامحها وعدالتها وإنسانيتها جميع البلاد الاسلامية، وكان الرجل عندما يسأله سائل في بلد أجنبي (غير إسلامي) عن هويته يقول أنا مسلم من بلدة كذا ‍وكان الأوروبيون يلقبون جميع الشرقيين بالمسلمين. دون نظر إلى قطر أو قومية محلية، وفي جميع فتوحات الإسلام كانت الجيوش " قومية إسلامية " لا " قومية محلية " وكانت الوظائف الكبرى لذوى الكفاية من المسلمين كيفما كانت قوميتهم المحلية، وشغل منصب الوزارة عرب وغير عرب، وكان أئمة الإسلام كذلك.
حقيقة نجد في العصور الأولى ما يشعرنا بالاعتداد بالقومية المحلية، والتعصب الاقليمي بين العرب والغير العرب، ولكن هذا بالضبط كالذي نجده بين العرب أنفسهم من تفاخر وتعصب قبلي كما يبدو بين عرب الجنوب وعرب الشمال. بل بين بني القبيلة الواحدة، وليس هذا على أي حال ممثلا لروح الإسلام، بل لا يقارب الإسلام في شئ، ولم يكن طابعا عاما للمجتمع الاسلامي ـ كما يدعي المغرضون ـ وكثيرا ما كان صدوره عن نفوس عابثة مرضية لم تخالطها بشاشة الإيمان.
ولسنا نقصد بذلك الذي أسلفنا أن نقرر أنه لم تكن هناك قوميات محلية، وإنما قصدنا أن هذه القوميات المحلية تآخت. كما تآخى الأفراد الإسلام، وتفاعلت مع مبادئ الإسلام، ونتج من تآخيها وتفاعلها " القومية الإسلامية " واصبح الإسلام هو الموجه الأول لها متفرقة ومجتمعة، كما أصبح هدفها هو الصالح الاسلامي العام، وكانت الخلافة هي رمز القومية الاسلامية، والى حد ما يمكننا ان نشبه حال هذه القوميات المحلية مع القومية الإسلامية التي تمثلها الخلافة بالاتحادات الفدرائية الحديثة ـ أي أن كل قومية كانت تحتفظ بطابعها الخاص
*(هوامش)*
(1) راجع العقد الفريد ج2 ص 64، ومعجم البلدان كلمة خراسان.