/ صفحه 185/
في الأحاديث وتصفّح وجوهها، ليفرقوا بين صحيحها وكاذبها، فاكتسبت الرواية بهذا روحاً علمية جديدة، كان للإسلام فيها كل الفضل.
وكانت الرواية الدينية الناشئة قد غلبت أختها الأدبية في نفوس المسلمين، وظهرت عليها، وسترتها وراءها، حتى صارت بسلطانها عليهم، وقوة دواعيها فيهم، بالمكان الأول، ومع هذا كانت الرواية الأدبية إذ ذاك أقوى منها في عهدها الجاهلي، لأنها مع بقائها بحالها عند المشركين، انتقلت كما هي إلى الإسلام، فقد استمرت في المسلمين رواية الشعر والخبر والأيام والأنساب ونحوها، مما ورثوه عن أسلافهم في الجاهلية، ولم يهدمه الإسلام فيما هدم من الشرك، أو ما يؤدي إليه، حتى كان في عظماء الصحابة الحافظون للأنساب، والعارفون بالأيام، والراوون للأشعار والأخبار، والقائفون للناس.
على أن العداوة والحرب بين الفريقين كانت سبباً في تضخيم الثروة الأدبية وتوسيعها، وتقوية كيانها، وزيادة فنونها، بما استتبعته من نتائجها الطبيعية فيهم، من مهاجاة بين الشعراء، ومفاخرات بين السادة في كل من الفريقين، وبقيت رواية ذلك سلاحاً في يد كل خصم لمحاجة الآخر، فضلاً عما أحس به المسلمون من دواع قوية جديدة للاحتفاظ بهذه الثروة، زادت عنايتهم بها، وقيامهم عليها وأكدت في نفوسهم الرغبة في التعلق بروايتها وتلقينها من بعدهم خوف أن يفوت الأنتفاع بها في هذه " الناحية الجديدة، التي هي حاجتهم إليها في تفسير القرآن والحديث هذا ولقد بقي الحفظ عمدة الجميع في الرواية، كما كانوا قبل الإسلام، حتى مضى هذا العصر من غير أن يدّون شئ من مروّي الشعر أو الأخبار أو غيرهما.
الرواية في العصر الأموي وبدء تدوينها فيه:
ثم جاء العصر الأموي، وظهرت الكتابة، وابتدأ تدوين العلوم التي اقتضاها الإسلام من شرعية ولسانية وغيرها من العلوم الأخرى التي اشتغل بها المسلمون في ذلك العصر كالتاريخ والكيمياء والفلك والطب.