/ صفحه 184 /
رواية المثالب والمفاخر في العصر الجاهلي:
أما المثالب والمفاخر فقد كان لها في القبائل أفراد غير الشعراء يقومون عليها، ويؤدون رسالتها، ويرجع إليهم خاصة فيها، وطبقتهم في الغالب من شيوخ القبيلة وسادتها من أهل أنسابها، والقائمين على مفاخرها، فصارت رواية ذلك غير رواية الشعر وأخص منها، حتى تفرغ لها ناس كل همهم رواية المفاخر والمثالب، وحفظ الأنساب، ينتقلون لذلك في العرب متقصصين مستوعبين حتى تطورت الرواية بعض التطور باقترابها من المعنى العلمي قبل الإسلام، وظهرت طبقة من الجاهليين علماء بهذا النوع من الرواية تسمى: طبقة النسّابين كعبيد بن شرية الجرهمي وابن لسان الحمرة وغيرهما.
الرواية في الصدر الأول من الإسلام:
فلما ظهر الإسلام، وكان المرجع في أحكامه إلى القرآن والحديث، كان الصحابة رضوان الله عليهم يأخذون ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكانت حلق مجالسه عليه الصلاة والسلام أول حلق علمية عرفها العرب.
ولا شك أن هذا الحدث الجلل ابتدأ يحوّل تيار الحياة العربية تحويلاً كبيراً، ظهرت آثاره على المسلمين اكثر من غيرهم، فقد كانوا في شغل عن حياتهم الأولى بما توجهوا إليه من أمر دينهم ليتفقهوا فيه، وشغل المسلمون كذلك بصد هذا التيار القوي ا لذي صار يجرفهم في طريقه، حتى قبض النبي (صلى الله عليه وسلم).
وجاء عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فكان لابد لهم في حكوماتهم من الاستدلال عليها، والفصل فيها، بالرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حتى لا تكون أحكامهم وآراؤهم مجردة عن التأييد بالحجة، وكان لابد لهم في هذا من شرط الإسناد الصحيح في الرواية، والتثبت في النقل كما حصل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، توخياً للصواب، وصوناً للدين من عبث الفجار ومن مردواً على النفاق، حتى كان جلة الصحابة ـ وفيهم عمر وعثمان وعائشة ـ يجلسون للنظر