/ صفحه 176/
واطراح كتابها ظهرياً، وإذا كانت المسألة في الدين والشريعة مسألة تهذيب للنفوس وتقويم للأخلاق فحسب، فأي فرق في هذا بين شريعة وشريعة، ولماذا نعتز بشريعة الإسلام، ونعتبرها أكمل الشرائع، وأجدرها باتباع الناس والفرض أنها كغيرها مقصورة أو يجب أن تكون مقصورة على التقويم والتهذيب؟
ولكن هؤلاء لا يقولون ما يقولون إلا تقليداً للغرب، وإعجاباً بما عند الغربيين، فقد رأوا القوم هناك يقولون بهذا فقالوا هم أيضا به، وفاتهم أن هناك فرقاً بين الشريعة التي نؤمن بها، والدين الذي يؤمن به القوم، وأن ما يصلح أن يقال هناك لا يصلح أن يقال هنا، وقد كانت شريعة الإسلام سائدة أيام الراشدين والأمويين والعباسيين، فلم تحل بين المسلمين والتقدم، بل هي التي هيأت لهم النصر والقوة والعزة والعلم والعدل ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وإن الأمر في ذلك لواضح، وإن الحقائق فيه لمشهورة معلومة، ولكن الذين غزونا في ديارنا وأوطاننا غزونا أيضاً في عقولنا وثقافتنا، وطبعوا كثيراً من شبابنا على الشعور بالنقص، والتطلق إلى مسايرة ركب الغالبين سواء أقادونا إلى خيرنا أم إلى شرنا ولعمري إنهم لقواد الشر، ودعاة الفساد والانحلال.
3 ـ وأما عن المبدأ الثالث فما نشك في أن الكاتب أراد أن يستغل غضب الرأي العام على طائفة رآها تنحرف عن القصد، وتلتوي عن السبيل، وتجانب خطة الرشاد، فدعا إلى الاعتبار بموقفها، وأنذر بالشر المستطير إذا تغاضينا عنه فلم نفتح له أعيننا، وهذا خطأ، فما كان الإسلام ليدعو إلى الاسراف أو إلى الالتواء، وما غضب الرأي العام لأن تلك الطائفة التي يعنيها الكاتب كانت تنفذ تعاليم القرآن، وأحكام الإسلام، وتسير على نهجها القويم، وإنما غضب لأنه رآها تنحرف عن ذلك وتبعد عنه، وتسير في طريق لا تفضي إليه، والله يعلم أن كل ذي عقل وإيمان من رجال الحكومة ورجال الشعب جميعاً يسره أن تسير البلاد الإسلامية في سبيل التدرج بسائر التشريعات حتى تكون