/ صفحه 175/
فعلا على أساس الفصل بين الدين والدولة إنما تجري على ذلك لأنه ليس في دينها أحكام عملية تفصيلية في شئون الحكم يمكنها أن تعمل بها، وتسير على تفاصيلها.
وما زال رجال الدولة المصرية رسميين وغير رسميين مقتنعين بأن هذه الشريعة الإسلامية هي الشريعة الصالحة للأمة، المسايرة لما ترجو من نهضة وتقدم، وإن كانوا يرون أنهم مضطرون ـ إلى وقت معلوم ـ لمسايرة الواقع العملي فيما لدينا من تشريعات أجنبية، حتى تتهيأ النفوس تدريجياً للعمل بسائر أحكام الشريعة، وإنا لنرى كثيراً منهم يبدي نشاطاً محموداً في لفت الأنظار إلى الشريعة الإسلامية وفي اقتباس ما تتهيأ الظروف لاقتباسه منها.
فالقول بأن الفصل بين الدين والدولة مبدأ متقرر ثابت تجري عليه مصر، قول باطل لا صحة له، وزعم جرئ لا دليل عليه، وفيه طعن سافر على رجال الحكم والدولة، وإغضاء عن دستورها وأحكامها.
2 ـ وأما عن المبدأ الثاني وهو وجوب قصر الدين وأحكام القرآن الكريم، على غير العمليات من شئون الحكم والسياسة، فهو يدل على جهل هذا الكاتب بطبيعة الشريعة الإسلامية أو تجاهله، فإن هذه الشريعة لم ينزلها الله شريعة روحية قاصرة على شئون العبادة والتهذيب، وإنما هي شريعة عملية، تضع أسمى المبادئ التي تكفل سعادة الأفراد والجماعات، وتنبني على المصالح وتقدرها حق قدرها، ولا تتعارض مع أي أسلوب من أساليب الحكم والسياسة والنظام ما دام مبنياً على الشورى ورعاية حق الحاكمين والمحكومين، وكفالة الطمأنينة والقرار والأمن للأمة، وإذا كان مثل هذا المبدأ الذي يطالب الكاتب بتطبيقه يقال في الشرائع الأخرى، فلأنها شرائع روحية أو نصية حرفية ليست لها قوة الشريعة الإسلامية واستقصاؤها وقدرتها على مجابهة المشكلات، ومسايرة النهضات الإصلاحية.
وإني لأعجب كيف ينادي مثل هذا الكاتب المسلم بذلك، وكيف يجمع بين إيمانه بالقرآن وشريعة القرآن، وما يدعو إليه من شلِّ هذه الشريعة،