/ صفحه 174/
الإسلامية، ولم نسمع أو نقرأ عن أحد قوادها أنه نادى بذلك أو عمل عليه، وكل ما حدث في ذلك، أن المغفور له سعد زغلول باشا نادى بعدم التفرقة بين سكان مصر من حيث الأديان، فالجميع مواطنون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وذلك ليسد الثغرة التي كان المحتلون يودون لو استطاعوا توسيعها، وهي ثغرة " الأقليات " وقد فوَّت عليهم المصريون ذلك باتحادهم واتفاقهم على تحرير وطنهم من غير أن تسود بينهم فكرة الانسلاخ من أحكام الشريعة الإسلامية، أو أن يشترط بعضهم على بعض أحكاماً معينه، وليس من المعقول أن يشترطوا ذلك، أو يتفقوا عليه، فإنه ما دامت الأحكام المدنية في أوروبا وفي مصر لا تستمد من مبادئ الدين المسيحي أو الدين اليهودي، فسواء على أهل هاتين الملتين أن يحكموا بتشريع أوربي أو بتشريع إسلامي، وكل ما يهمهم في ذلك أن يحكموا بتشريع ملائم للمصلحة والعدل مطابق لما تقضي به سنن الحياة، ولا شك أن التشريع الاسلامي كفيل بذلك بشهادة خصومه قبل أصدقائه.
وإذن فلم تأت الحركة الوطنية في هذا الشأن بجديد، وإنما ذكّرت بمبدأ إسلامي مقرر منذ أول الإسلام، هو رعاية حق المواطنين من أهل الأديان الأخرى، والسماح لهم بإقامة سائر الشعائر، حتى كانت الدولة ـ وما زالت ـ تقيم لهم الكنائس والمعابد، وتنفق على مجالسهم الملية، وتعين مدارسهم، ولا تحول بينهم وبين ما يريدون في أنفسهم وأموالهم وأقضيتهم وأنكحتهم وسائر نظمهم، إلا ما تقضي الضرورة بوحدة الحكم والنظام فيه.
وقد جاء الدستور المصري على أثر الحركة الوطنية، فرعى هذين الأصلين، ولم يلغ واحداً منهما: إذ اعترف بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وحفظ لكل إنسان حقه في معتقده، وفي إقامة شعائره الدينية على ما يريد، وتقريره لهذا الدين رسمياً ينافي القول بالفصل بين الدين والدولة، لأن الدول التي قررت هذا الفصل، لم تنص مثل هذا النص في دساتيرها، وإنما نص بعضها على أنها دول لا دينية، وترك بعضها الأمر دون نص على شئ إيجاباً أو سلباً، والدول التي تجري